امام محمد امام : إفطار ضرار
إذا أردت الحديث في هذه العُجالة عن إفطار ضرار رمضاني، فمن الضروري أن أبسط القول لشرح مفهوم أو مصطلح (مسجد ضرار)، قبل الولوج في لُب الموضوع، شرحاً وتفصيلاً, فمسجد ضرار هو مسجد قد بني لأبي عامر الذي كان يقال له أبو عامر الراهب، وكان قد تنصر في الجاهلية. وكان المشركون يعظمونه، فلما جاء الإسلام حصل فر إلى الكافرين، فقام طائفة من المنافقين يبنون له هذا المسجد الذي سمي مسجد ضرار، وقصدوا أن يبنوه لأبي عامر ولم يبنوه لأجل فعل ما أمر الله به ورسوله، بل لغير ذلك، فأمر الرسول بهدمه فهُدم. وقد عرف التاريخ الإسلامي مفهوم مسجد ضرار لأول مرة، عند ورود القصة في القرآن الكريم، في سورة التوبة. حيث يقول الله تعالى: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ. لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ). وقد جمع الحافظ ابن كثير في تفسير الآية جمعا حسنا ومرتبا يُغني عن التطويل في النقل عن الكتب والتحقيق فيها. قال ابن كثير: (سبب نزول هذه الآيات الكريمات, أنه كان بالمدينة قبل مَقدَم رسول الله «صلى الله عليه وسلم» إليها رجل من الخزرج يقال له (أبو عامر الراهبُ)، وكان قد تَنَصَّر في الجاهلية وقرأ علْم أهل الكتاب، وكان فيه عبادة في الجاهلية، وله شرف في الخزرج كبير. فلما قَدم رسولُ الله «صلى الله عليه وسلم» مهاجراً إلى المدينة، واجتمع المسلمون عليه، وصارت للإسلام كلمة عالية، وأظهرهم الله يوم بدر، شَرِق اللعين أبو عامر بريقه، وبارز بالعداوة، وظاهر بها، وخرج فاراً إلى كفار مكة من مشركي قريش). أما إفطار ضرار الرمضاني، الذي أود أن أعالجه في هذه العُجالة – يا هداك الله – فقد حدث يوم الأربعاء الماضي، إذ نظمت شبكة الصحافيين السودانيين حفل إفطارها الرمضاني السنوي متزامناً مع حفل الإفطار الرمضاني السنوي للاتحاد العام للصحافيين السودانيين. وقد علمت أن الاتحاد العام للصحافيين السودانيين قد دعا الى حفله قبل فترة من دعوة شبكة الصحافيين، فهذا عندي بلا أدنى ريب هو أن شبكة الصحافيين أقامت إفطار ضرارا رمضانيا، مثلما أقام أبو عامر الراهب مسجدا ضرارا، وكأنها تريد أن تمايز بين صفوف الرسلاء الصحافيين والرسيلات الصحفيات، باعتبار أن من يذهب الى الإفطار الرمضاني الذي نظمه الاتحاد العام للصحافيين السودانيين، أولئك هم أهل السلطان، بينما الذين لبوا دعوتهم، هؤلاء هم من صرفوا هواهم عن السلطان. ولعمري إن كان هذا مبتغاهم، ومنتهى مقصدهم، فقد أحدثوا ربكةً وبلبلةً لرسلائهم ورسيلاتهم غير ضرورية، دون أن يتأثر ذاك الحفل بالذين غابوا ضراراً عنه. وكان بإمكان بعضهم حضور حفل الاتحاد، لأن هذا حقهم، وإن خالفوه في بعض مقاصده، وفي الوقت نفسه، لم يحرموا الذين يرغبون في تلبية دعوتهم زُمراً وفرادىً، إن اختاروا يوماً لإفطارهم، بعيداً عن إفطار الضرار. أحسب أن الاتحاد العام للصحافيين السودانيين قد وُفق أيما توفيق في حفل الإفطار الرمضاني لهذا العام دون سائر الأعوام التي شهدتها، من حيث التنظيم والتكريم. وقد أضفى تشريف الأخ الفريق أول ركن بكري حسن صالح, النائب الأول لرئيس الجمهورية, للحفل قدراً من الحميمية في علاقته بمعاشر الصحافيين، من خلال إسداء النصح النبيل لهم بضرورة التفكير العميق في مسألة اندماج الصحف، تفادياً لمزيد من الخُسران المبين والإفلاس البين لدُورهم وتشريدهم، مُشيراً في لفتةٍ بارعةٍ الى أن بعض قيادات العمل الصحافي استشعرت بالخطر القادم، فاتجهت الى شاشات التلفاز التماساً للمشاهدين، بعد تناقص القارئين، ذاكراً بعضهم بالاسم والبرنامج والقناة، مما يؤكد متابعته اللصيقة للوسائط الصحافية والإعلامية. ولم يكتفِ الأخ النائب الأول بالكلمات الطيبات، والوعود المنتظرات، والإكثار من أقوال الخير والإحسان، بل داعب جماعة الاتحاد بظرفٍ غير جارح عند تقديم الشهادات والهدايا للمكرمين، بأنه لحظ أن كيس هداياهم للمكرمين خفيف، فالتمس العُذر منهم، بأن الرئاسة تدعم كيس المكرمين بـ10 ملايين جنيه، فوقع ذلك موقعاً طيباً في نفوس المكرمين والمكرِمين معاً. وكانت (سوداني) حاضرة في ذاكم الحفل رعايةً وتكريماً, وطرز مديرها الهمام الأخ الصديق المهندس طارق حمزة زين العابدين الحفل بلطيف النثر، وجميل الشعر وبذل وعداً جميلاً، بأن شركة (سوداتل) ستسعى جاهدةً الى تطوير دور الصحف بجديد التكنولوجيا وحديثها. ووسط هذه الأجواء المفعمة بالروحانيات الرمضانية، نهض الأخ الرسيل الصادق إبراهيم الرزيقي رئيس الاتحاد العام للصحافيين السودانيين، مرحباً بالضيوف، ومؤكداً التزام الاتحاد بالذود عن حرية الصحافة، وواعداً معاشر الصحافيين بأن مشروعات الاتحاد لخدمة الصحافة وترقية وتطوير المهنة الصحافية ستتواصل عقب شهر رمضان المبارك في مختلف مجالات الإسكان والتأمين الصحي والتدريب ورفع قدرات الصحافيين. أخلص الى أن نقدنا للرسلاء والرسيلات في شبكة الصحافيين السودانيين، ليس تحيزاً لفئةٍ دون أخرى، ولكن يأتي من حرصنا الصادق والأكيد على ضرورة أن تتكاتف المنظومات الصحافية في سبيل حرية الصحافة، وضرورة التعاون والتنسيق بين هذه المنظومات الصحافية من أجل تطوير المهنة الصحافية وترقيتها, فالخُلف لا يكسب إلا ضعفاً، والضرار لا يُجدي صنيعاً. فلنكن كالرماح إن اجتمعن يغلب كسرنا، وإن تفرقنا سهل ضربنا. ولنستذكر في هذا الصدد، قول الشاعر العربي الحسين بن علي بن محمد الطغرائي: تأبى الرِّماحُ إذا اجتمعنَّ تكسُّراً وإذا افتــــرقَنّ تكــسّرتْ آحادا