محمد لطيف : أوروبا وبريطانيا.. المشتهي الحنيطير يطير
تتعرض بريطانيا لضغوط من أجل تحديد جدول زمني سريع لانفصالها عن الاتحاد الأوروبي بعد أن أحدث تأييد الناخبين البريطانيين لانسحاب بلادهم صدمات في جميع أنحاء العالم.
من جانبه قال وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير: “نريد أن تبدأ المفاوضات على خروج بريطانيا فوراً”
وأضاف الوزير الألماني خلال مؤتمر صحافي في برلين لوزراء خارجية الدول الست المؤسسة للاتحاد وهي ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وهولندا وبلجيكا ولوكسمبورج إن قرار بدء مفاوضات الخروج يتخذ في لندن..!
من جهته، قال زير الخارجية الفرنسي جاك مارك إيرولت إنه يجب على بريطانيا تعيين رئيس حكومة جديد فوراً،
وكان إيرولت قد دعا في وقت سابق السبت، الاتحاد الأوروبي للمضي قدماً وبسرعة لتحديد شروط خروج بريطانيا من التكتل قائلاً إن الدول الأعضاء الباقية في الاتحاد بحاجة لمنحه هدفاً جديداً لتجنب سيطرة النزعة الشعبوية على دفة الأمور..!
وأيد أغلب البريطانيين يوم الخميس الانسحاب من الاتحاد الأوروبي مما دفع رئيس الوزراء ديفيد كاميرون لإعلان عزمه على الاستقالة ووجه أكبر ضربة لمشروع الوحدة الأوروبي منذ الحرب العالمية الثانية..!
وعلى الدول الأعضاء في الاتحاد الآن التوصل مع الحكومة البريطانية للشروط التي ستنسحب على أساسها من التكتل وشكل العلاقات المستقبلية مع الاتحاد.. هذه آخر القصص الإخبارية المتداولة الآن عن قرار الشعب البريطاني الخروج من الاتحاد الأوروبي.. والموقف الأوروبي يبدو الآن وكأنه يستصحب مثلنا الشعبي السائد: (المشتهي الحنيطير يطير).. ويقال حين يبدي من تحرص عليه زهدا فيك..
ورغم الصدمة العنيفة التي ضربت كل العالم جراء نتيجة الاستفتاء البريطاني القاضي بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.. ناهيك عن الضرر المباشر على الاتحاد الأوروبي.. إلا أن الأخير قد بدا حريصا على القول إن هذا.. ليس نهاية العالم.. بل سارع قادة الاتحاد إلى مطالبة بريطانيا بتعجيل المغادرة طالما أن شعبها قد اختار ذلك..!
الوجه الآخر للأمر يبدو محزنا جدا وقاتما.. بالنسبة لي شخصيا أشعر بخسارة كبيرة.. لا لأنني قد خسرت شيئا.. ولكن لأنني قد خسرت نموذجا.. ونموذجا مهما.. فلسنوات طويلة أعترف أنني قد ظللت أستشهد بالاتحاد الأوروبي كنموذج للوحدة.. ونموذج للكيانات السياسية الكبيرة.. وكنت أقول دائما إن العالم كله يتجه نحو التجمع والتوحد.. فيما نتجه نحن نحو التشظي والتشرذم.. القرار البريطاني المفاجئ بالخروج من الاتحاد الأوروبي والسباحة عكس التيار.. يصيبني بالإرباك.. ويجبرني على مراجعة حساباتي.. !
ولكن من المهم بالطبع أن لا نتعجل النتائج.. أو نستبق الأحداث.. ففي تقديري أن مراكز التحليل والرصد والقراءة والدراسات في بريطانيا نفسها في حاجة لجذب أنفاسها قبل أن تخرج إلى الناس بتفسير موضوعي منطقي يشرح ما حدث.. ولماذا حدث.. وكيف حدث.. قبل أن نقول إن بريطانيا شعرت أنها تتحمل عبء هذا الاتحاد منذ تأسيسه.. فهي الدولة الأقدم تاريخيا.. وهي الهدف النهائي لطموح الشعوب من الشرق والغرب على حد سواء.. وأن اكتظاظ الجزيرة بالقادمين الجدد من الهاربين واللاجئين والمهاجرين.. عبر الحدود المفتوحة.. كان دافعا قويا للشعب البريطاني ليقفز من سفينة الاتحاد التي جرت عليه كل هذا الضيق.. وقد يقول قائل.. بل هو الصلف الإنجليزي الذي تصور أو توهم أنه يحمل الاتحاد الأوروبي على كتفيه.. فقرر أن يقفز به بعيدا.. ليرى ماذا يكون مصيره.. أي الاتحاد.. من بعده.. ولعل هذا ما يفسر الغلظة التي قابل بها رجال أمثال وزير الخارجية الألماني ومن بعده الفرنسي بأن تعجل بريطانيا بالمغادرة.. طالما اختار شعبها ذلك.. أما السؤال الذي يؤرق الملايين الآن فهو: هل لبريطانيا وأنديتها موطئ قدم في منافسات الاتحاد الأوروبي بعد اليوم..؟!