عبد المنعم مختار : أزمة شهامة!!
٭ لم تخرج الجسارة من قيمنا الشعبية إلا بعد أن توقفت «زغاريد» النساء التي كانت تمجد الفارس الجحجاح.. وأسد «الخبوب».. وتكاسلت الأنثى عن النداء «أنا ليهم بجر سلام.. دخلوها وصقيرا حام..
ويبدو أن الرجل السوداني بتهندمه وأناقته الزائدة عن اللزوم.. هي التي جعلت النخوة تتراجع.. والرجولة تنهزم.. فتحولت المرأة للغناء للترف.. والمال.. والمغترب والدولار .. وكلما ارتفعت وتيرة الزمن تقهقهرت الشجاعة إلى الوراء..
في السابق كانت مهيرة.. وبنونة بت المك وبت مسيمس .. وشغبة المرغومابية.. يحركن المشاعر والقلوب والاقدام ومازلنا نذكر مهيرة وهي تقف في وجه الاتراك وتخاطب ابن محمد علي باشا في شجاعة نادرة قائلة
الليلة استعدوا وركبوا خيل الكر
وقدامن عقيدن بالأغر دفر
جنياتنا العزاز الليلة تتبر
ويا الباشا الغشيم قول لجدادك كر
والتاريخ يذكر بت مكاوي الشاعرة المحاربة
وهي تحرض الإمام المهدي لدخول الحرب ش
وجز الرؤوس قائلة
طبل العز ضرب هوينة في البرزة
وغير طبل أم كبان أنا ما بشوف عزة
وإن طال الوبر.. واسيه بالجزة
وإن ما عم نيل ما فرحت وزة
والشاعرة رقية محمد إمام شقيقة ود حبوبة علمت النساء في ذلك الزمان أن الثبات والتماسك أكبر من كل الوجدانيات عندما تقول
بتريد اللطام.. أسد الكداد الزام
هزيت البلد من اليمن للشام
سيفك للفقر قلام
ولم يهتز لها رمش كدأب شقيقها عندما تم إعدامه في السوق الكبير.
الإعلان صدر.. واتلمت المخلوق
بي عيني بشوف أب رسوة طامح فوق
كان جات بالمراد واليمن مطلوق
ما كان بنشنق «ود اب كريق» في السوق
هكذا كانت حواء السودان «تعصر» كيانها «وتحرق حشاها» لتأتي كلماتها حارقة دفعت الرجال الأبطال إلى الارتفاع بالشهامة والإرتقاء بها إلى أعلى مستوياتها.. وكن سبباً أساسياً في معارك مضارية.. بين المدافع والسيوف.. بين الخوف والثبات.. وكان وقتها الحس والدافع يخرج من أنثى رقيقة لكنها لا تعرف التخاذل.
ولكن بعد صناعة الكريمات والمساحيق.. في هذا الزمن الممحوق الذي تفرغن فيه النساء للجمال والدلال والخيال وتركن الرجل وحيداً يكابد صراعاته لوحده مثل أبوذر الغفاري.. يقاتل في السوق لقفة الملاح.. ويدافر في المواصلات وعندما يصل إلى البيت لا يسلم من «النقة».
لكل ذلك ظهرت أغنيات على شاكلة «فضلت إنت وأنا.. وسط الجبال والخلاء وتكالبت المتغيرات «والرجالة الملحوقة» وظهرت
لاقيتو في الفيسبوك
ضحكاتو زي تومهوك
خصلاتو بال ينولوك
خلا قلبي يجك
وطبعاً المسافة بين «جدري الشمومة».. وبين «حركتك جبانة» تبين إلى متى تناقصت الجسارة.. وإلى أي مدى تحولت المرأة من ملهمة للإبداع .. إلى مثبطة للهمم .. ونحن لا نلوم المرأة لوحدها.. وإنما الرجل الذي تنازل مكرهاً عن دوره.. وأصبح «يفتش عن المعايش.. ويجري جري الوحوش».
وما تفرزه المرحلة القادمة من تداعي للمعايير تجعلنا أشد رغبة للخوف.. وأكثر تمسكاً بالحياة وربنا يستر.