احمد يوسف التاي : ليس الصحافة وحدها
تناول الحوار التفاكري بين قادة البرلمان والإعلام مؤخراً العلاقة بين المؤسستين وجاء في مداخلة وزير الدولة بالإعلام ياسر يوسف أن القيم المهنية التي تحكم العمل الصحافي قد تراجعت وأن الأمر بحاجة إلى مشروع يتبنى تدريب الصحافيين لرفع مستوى الأداء.. ما ذهب إليه الوزير ياسر يوسف صحيح تماماً، لكن الحديث عن تراجع القيم المهنية وتدني الأداء عندما نحصره في مجال محدد سيصبح الحديث مبتورا وغير ذي فائدة إلا إذا قلنا إن تراجع القيم والضوابط المهنية كابوس ضرب كل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمعاملات التجارية ومجال الخدمات من تعليم وصحة ونحوهما وتسرب هذا البؤس إلى عصب الحياة السياسية على وجه الخصوص فأفسدها، حتى أصبحت مرتعا للبؤس.
عندما نتحدث عن تراجع قيم السلوك المهني في مجال محدد لابد أن نتحدث إجمالا عن الظاهرة التي لم تستثن مجالا من المجالات إلا وأخذت بخطامه وأودته مورد الهلكة.. هذا البؤس تسرب إلى المجال السياسي فأصبحت السياسة بلا قيم ولا أخلاق بل تحولت إلى سوق للبيع والشراء، بل إن السياسة أصبحت هي الغطاء لممارسة كل الخبائث، فتحت غطائها وحمايتها تدخل السموم ويباع الموت القادم من بلاد النفايات إلى أرض “المكب” بلا رقيب ولا حسيب وتدخل السلع الفاسدة والأدوية منتهية الصلاحية، وتدخل السموم كل بيت سوداني مع الطماطم والخضروات والفواكه واللحوم بلا رقيب ولا حسيب ولا عقاب لأحد. ..
وفي مجال الاقتصاد تراجعت قيم الصدق والوفاء مثلما تراجعت في سوح السياسة واستأسد الغش والاحتيال والتزوير كما فعل في مجالات السياسة واشرأب بعنقه إلى مجالات التعليم والصحة.. في ظني أن تراجع قيم السلوك المهني وتراجع الضوابط وضعف الأداء داء عام، انتشر كالأورام السرطانية، وعم كل المجالات، فلن تجد اليوم ساحة من ساحات العمل العام ولا مجالا من المجالات التي سبقت الإشارة إليها إلا وهي مصابة بهذا الداء الخطير الأمر الذي يفرض علينا سؤالاً كبيراً: لماذا هذا التراجع القيمي الذي أخذ بتلابيب كل شيء ولم يستثن شيئاً ؟ وما هي الأسباب؟..
حسناً. .. إذا أردنا نضع الملح على الجرح دون مواربة أو تردد سنقول أن سياسات الدولة الحالية هي التي أوصلتنا إلى هذا الدرك السحيق، فالتركيز على استمرار التمكين والاجتهاد في حماية النظام صرف كل مؤسسات الدولة عن أداء مهامها المنوطة بها.. ولنقف فقط عند الصحافة التي قال الوزير إن قيمها المهنية تراجعت.. ونقول له صدقت لقد تراجعت قيم العمل الصحفي كثيرا جداً. .لكن لماذا لا تتراجع قيم العمل الصحافي إذا كان يوجد الآن أكثر من “7000 ” صحافي والذين يمارسون المهنة لا يتجاوز عددهم الألف الواحد، وأما البقية فقد فتحت لهم الأبواب المشرعة في مواسم الانتخابات فدخل هذا المجال الحساس موظفو الدولة والقوات النظامية وبذلت لهم “الخدمات” إغراء وتكبيرا ل”كوم” الحزب الحاكم في الانتخابات ومارسوا المهنة بلا ضوابط ولا إلتزام بقواعد السلوك المهني ونحن قطعا لا نلوم هؤلاء فهم أصلاً لم يدرسوا علم الصحافة ولا يعرفون شيئا عن ضوابطها ولا قيمها ولا أخلاقها ولم يمارسونها يوما في حياتهم …وعلى ما حدث في مجال الصحافة قس عليه مجالات السياسة والاقتصاد والتعليم ونحوها.. فالسياسة أصبحت بلا أخلاق ولا قيم صدق ولا تجرد، وكذا مجال الاقتصاد، والتعليم والصحة تحولا إلى مجالات للاستثمار بلا ضوابط ولا أخلاق..
اللهم هذا قسمي فيما أملك..
نبضة أخيرة:
ضع نفسم دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين.