مقالات متنوعة

شمائل النور : الخُروج الأعظم..!

قبيل استفتاء اسكتلندا في 2014م، طرحت الأحزاب الرئيسية في بريطانيا مبادرة لإغراء الاسكتلنديين بالوحدة، أبرزها، منح البرلمان الاسكتلندي صلاحيات أوسع، وقبل كل ذلك نجح المَسؤولون هناك على مدى سنوات في استخدام الاقتصاد عاملاً أساسياً لترجيح كفة الوحدة. اسكتلندا لو اختارت الانفصال كَانت ستفقد عملة الجنيه الاسترليني لأن بريطانيا رفضت الوحدة النقدية معها إن اختارت الانفصال، كما ستفقد عضوية الاتحاد الأوروبي، إلاّ عبر تقديم طلب جديد. نجح التأثير على الاسكتلنديين في اختيار الوحدة مع بريطانيا، على الرغم من أن نتيجة استفتاء اسكتلندا لم تكن كاسحة بالمعنى، حيث صوّت نحو 55 بالمائة لصالح الوحدة مع المملكة المتحدة مُقابل 45 بالمائة اختاروا الانفصال.
بريطانيا التي كانت تبذل ما في وسعها للوحدة، وتستخدم كرت الاتحاد الأوروبي ربما تتعرّض الآن للتفكك بذات الكرت، فالغالبية العظمى في اسكتلندا صوّتت لصالح البقاء في الاتحاد الأوروبي، لكن النتيجة جاءت على العكس، وهو ما يضطر اسكتلندا لإجراء استفتاء جديد على الاستقلال عن بريطانيا، فقد أظهر استطلاع رأي عام أن غالبية الإسكتلنديين يُؤيِّدون الانفصال عن بريطانيا بنسبة 52 بالمئة، وبدأ المسؤولون هناك يتحدثون عن ضرورة استفتاء يحدد مصير اسكتلندا التي سبق وأن اختارت الوحدة مع بريطانيا.
نجح اليمين في التسويق لفكرة الخروج عن الاتحاد الأوروبي، وما حدث في بريطانيا أغرى دولاً أخرى لإجراء استفتاء مماثل، ففي فرنسا عَلَت نبرة اليمين الداعية إلى ذلك، وإذا ما سارت بعض الدول الكبرى الأساسية في الاتحاد على طريق الخروج من الاتحاد، فذلك تدريجياً يقود إلى تفكك الاتحاد، ما يخلق معادلات دولية جديدة كلياً. تراجع مراكز قوى لصالح أخرى، وروسيا ليست ببعيدة عن الخارطة العالمية الجديدة حالما تفكك أو تراجعت قوة الاتحاد الأوروبي. ومع تنامي موجات “الهجرة” التي ضربت أوروبا مع تصاعد الحملات على “الإرهاب” و”الإسلاموفوبيا”، والذي لا يحتاج إلى كثير من الجَدل أنّ قضية الهجرة أدت إلى انقسام حاد داخل الاتحاد الأوروبي، ما جعل النبرة الشعبوية ترتفع على حساب المُؤسّسة، والنتيجة هي الخروج، البداية من بريطانيا.. يبدو أنّ انتخاب لندن لعمدة مسلم، يمثل نقطة النهاية لمرحلة والبداية لمرحلة جديدة لبريطانيا ولأوروبا ومن ثم العالم. فلن تعود بريطانيا كما كانت وليس بإمكانها ذلك، والقضية ليست فقط في حسابات الربح والخسارة الاقتصادية بعد الخروج من السوق الأوروبية المُوحّدة، وهي الدولة الخامسة عالمياً من حيث الاقتصاد، القضية أن قوى كبيرة ظَلّت مُحتفظة بسطوتها لعقود، تتفكك الآن لصالح أخرى، وربما المُستفيد هو روسيا. وهذا ما سيعيد صياغة الخارطة السياسية العالمية من جديد.