عثمان ميرغني

أجراس الإنذار.. قبل فوات الأوان!!


قبل عدة سنوات استضافتنا فضائية سُودانية.. ومعنا أحد أشهر الشيوخ المُوقرين.. سأل مقدم البرنامج الشيخ الموقر (هل العمليات الانتحارية التي يقوم بها بعض شباب فلسطين في إسرائيل حلال أم حرام؟)..
الشيخ أجاب (لقد سألني بعض الإخوة الفلسطينيين خلال زيارة لي إلى لبنان نفس هذا السؤال.. فقلت لهم بما أنكم غير قادرين عسكرياً على عمل آخر.. فهي حلال؟)
بصراحة أغضبتني إجابة الشيخ فقاطعته (وعليه يا شيخنا تحوّلت من مُفتٍ إلى قائد عسكري..) فالفتوى هنا خرجت من حيِّز (حلال وحرام) إلى حيِّز خبير عسكري يحدد (عدم القدرة على عمل عسكري آخر..).
أمس على خلفية خبر توقيف الشرطة لبعض الفتيات في شارع النيل بتهمة ارتداء الزي الفاضح.. في إحدى مجموعات الواتساب.. أحد الشيوخ الشباب أفتى بأنّ الفتاة التي تلبس زيّاً يقع تحت طائلة (التبرج) هي واحدة من اثنتين.. إما (فتاة عاصية) لأنّها عصت أمر الله.. أو هي (فتاة كافرة) إن ارتدت الزي الفاضح إنكاراً للحجاب واستخفافاً به.
هنا؛ أعيد إلى أذهانكم قصة السيدة مريم خلال مُحاكمتها بتهمة (الردة) هنا في السودان.. بعيداً عن تفاصيل قصتها.. فالذي حدث أنّ قاضياً نظر القضية ومحامين في الدفاع والاتهام.. وجلسات تنعقد وتنفض.. ثم قرار المحكمة.. ثمّ السجن.. ثمّ الاستئناف.. كل هذا للوصول إلى حكم بأن هذه السيدة تخطت الحاجز القانوني الفاصل بين (مسلم) و(مرتد).. أي (كافر) باللغة التي استخدمها الشيخ الشاب في الواتساب.
حسناً.. إذا كان من الممكن صرف لقب (كافر) هكذا بمنتهى السهولة لفتاة تلبس زيّاً بأيِّ نية كانت.. فما الداعي للمحاكم والقضاة والمُحامين والجلسات والقرارات والسجن والاستئناف وكل هذه الترتيبات الطويلة.. طالما أن (كافر) هي مجرد صفة تقديرية يُحدِّدها أياً كان حسب ما يرى لمن يرى.. بلا أدنى مترتبات قانونية أو غيرها!
هذا لعمري مدخلٌ مخيفٌ لفتنة لا تبقي ولا تذر.. إذ يتحوّل الدين إلى بطاقة صراف آلي تُمنح وتُعطل بكبسة زر في جهاز الكمبيوتر.. حسب تقدير من يملك الجرأة – وليس الحق – في الضغط على الزر.
خُطورة مثل هذا المسلك أنه يقفز رأسياً إلى أعلى بلا مدى.. فقبل أسابيع قليلة تلفظ وزير العدل د. عوض الحسن النور ببعض الكلمات في مؤتمر صحفي.. فسّرها مجموعة من الشيوخ الأجلاء بأنّها قفز فوق الحائط الذي يفصل (المسلم) عن (الكافر).. فاجتمعوا بالوزير ولحُسن الحظ انتهت الحادثة بإعادة شرح حديثه بما ينزع عن كلماته أية ألغام تفجّر في وجهه بطاقة (كافر)..
بعيداً عن أية فتوى وتفاصيل.. الأجدر أن نتّفق أن كلمة (كافر) لا تجوز إلاّ من فم قاضٍ يجلس في منضدة القضاء، ينظر في أوراق بلاغ جنائي مُحدّد أمامه ويصدر قراره وفق منطوق القانون.
كلمة (كافر) ليست إطلاقاً متاحة لأيِّ فرد آخر مهما كان علمه أو تدينه.. حتى نتقي فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منا خاصة!!