جمانة حداد:”قصيدة وقتلة”
قرأتُ أخيراً الخبر الآتي في إحدى الجرائد الإسبانية: “تعرّض الشاب ج. م. للضرب المبرّح في السجن، عندما اكتشف رفاقه في الزنزانة أنه شاعر”: خبرٌ من بضعة أسطر، مرميّ أسفل صفحة حوادث القضاء والقدر. خبرٌ ناشف، باردٌ، بلا تعليق وبلا أيّ دعوة الى إضرابٍ للشعراء احتجاجاً.
تفاصيل الحادثة أن ج. م.، الذي أودع السجن لحيازته كمية ضئيلة من حشيشة الكيف، طلب من الحارس إعطاءه بضع أوراق بيضاء وقلماً أثناء فترة الاحتجاز. ولكن بعد نحو نصف ساعة أمضاها الرجل في الكتابة، انقضّ زميلاه في الزنزانة على أوراقه وشرعا يقرآنها بصوت عال ونبرة ساخرة. وأمعنا في السخرية والتحقير عندما اكتشفا أن المكتوب عبارة عن قصيدة حب مهداة الى امرأة.
جمانة حداد شاعرة وكاتبة وصحافية لبنانية، مسؤولة عن الصفحة الثقافية في جريدة “النهار” في بيروت، أستاذة في الجامعة اللبنانية- الأميركية، ناشطة في مجال حقوق المرأة، ومؤسسة مجلة “جسد” الثقافية المتخصصة في آداب الجسد وعلومه وفنونه. أصدرت عشرات الكتب في الشعر والنثر والترجمة وأدب الأطفال، لاقت صدى نقدياً واسعاً في لبنان والعالم العربي، كما تُرجم معظمها إلى لغات أجنبية. نالت جوائز عربية وعالمية عديدة. من آخر إصداراتها “هكذا قتلتُ شهرزاد” و”سوبرمان عربي”.
واذ حاول ج. م. (له مجموعة قيد النشر) استرجاع أوراقه، قام السجينان بالاعتداء عليه بعنف وحشي أدى الى إصابته بجرح بالغ في الرأس قبل وصول حرّاس الأمن. وحين سئل المعتديان عن سبب هجومهما الشرس، كان جوابهما الوحيد: “لأنه شاعر”.
أن يكون المرء شاعرا في إسبانيا، فهذا يختلف في طبيعة الحال عن أن يكون شاعرا في بيروت، رغم مواطنية الشعر العالمية وبعض الخصائص المشتركة، وذلك بسبب اختلافات الثقافة والبيئة والتجربة والخلفية والمجتمع والتطلع.
أن يكون المرء شاعراً في اسبانيا، “أشطف زوم”، كما نقول في لبنان، من أن يكون شاعراً في بيروت. أنا أفهم ذلك جيدا، وأقبله تماماً بأقل قدر ممكن من العقد الفوقية والدونية. لأجل ذلك لم أجرؤ حتى على أن أتخيل ماذا كان يمكن أن يحصل للشاعر المسكين والعاشق الولهان لو كان في سجن رومية مثلاً…
كان أكل قتلة طبعاً، وفوقها حبة مسك!
مونت كارلو