عبد العظيم صالح : عيون في الغربة بكاية..!!
٭ قبل أعوام كنت «أقطع» الليل ماشياً على أقدامي وسط صخور جبال وعرة ذاهباً إلى مقر عملي.
٭ رمتني السيارة والشمس تؤذن بالمغيب عند شارع فرعي يفترق من شارع صنعاء تعز!!
٭ انتظرت كثيراً لسيارة تأخذني لقرية «بيت غابر» في ناحية بني مطر!! بعد المغيب أخذت بنصيحة أحد المارة والذي طلب مني ألا أضيع زمني فالسيارات لن تأتي!! وعليّ الذهاب «راجلاً» قال لي الزمن لا يتعدى نصف الساعة!! مرت أربع ساعات وأنا بين صعود وهبوط وكل دليل أسأله يقول لي اقتربت من الهدف.
٭ التعب أخذ مني كل «نضارة» وقوة والظلام والغربة يطبقان عليّ بوحشية وشدة شديدتين، فجأة وأنا في هذا الحال سمعت من يصيح مهدداً بأن أتوقف، في ثوان كنت أنفذ ما طلبه مني وشخص يقترب ثم يصوب بطاريته نحو وجهي!! بعد برهة حسبتها قرناً من الزمان قال الرجل والذي تبينت ملامحه والسلاح الناري الذي يحمله في يده لا حول ولا قوة الا بالله.. الأخ سوداني!! من أين جاي يا أستاذ!! لقد خلتك لصاً في هذا الهزيع من الليل لماذا لا تسير وفي يدك بطارية!!
قلت له أنا جديد على بلادكم وقادم لتوي من صنعاء للذهاب للعمل وسردت له القصة!!
٭ الرجل قال لي إنني دخلت بالخطأ في مزرعته، ومن يفعل ذلك بالليل نظنه لصاً، وطلب مني أن أبيت ليلتي معه، ولكني رفضت خصوصاً وأن المشوار قد تبقى منه القليل!!
٭ أعطاني الرجل بطاريته وعصا خصوصاً والطريق مليء بالثعالب والذئاب، ثم ذهبت وأنا في حالة هي للبكاء أقرب!! جاءتني في تلك اللحظة كل إنكسارات الغربة ولحظات ضعفها وقلت بيني وبين نفسي أنا مالي ومال الشقاوة؟!! ما الذي رمى بي في هذه الفيافي؟
٭ بعد كل هذه الأعوام تذكرت تلك الواقعة وأنا اقرأ قصة المهاجر السوداني عبد الرحمن هرون الذي قطع المسافة الفاصلة بين فرنسا وبريطانيا عبر نفق المانش والتي تبلغ «05» كلم!!
٭ هرون أضحى نجم الصحافة البريطانية فقد اخترق أرقى الحواجز، وتعدى كل أنظمة الرصد والتفتيش، ومر بأكثر من «004» كاميرا مراقبة وتحمل درجة حرارة بلغت «05» درجة ومشى أكثر من «11» ساعة في الظلام، وكادت القطارات المسرعة أن تدهسه، وتبقى بينه وبين تقديم طلب اللجوء دقائق فقط، ولكنه ويا لحظه العاثر فقد أُلقي القبض عليه وربما يسجن ثم يبعد بعد ذلك!!
٭ لقد أحزنتني القصة.. فالسودان أضحى طارداً بكل ما تحمل الكلمة من معنى، ودفاتر جهاز المغتربين تقول إن «21» ألف تأشيرة خروج سجلت خلال ثلاثة أيام!
٭ قبل سنوات وجدت مجموعة من الشباب السوداني المهاجر في بلجيكا كل منهم حكى جانباً من معاناته في الخروج من السودان، وكل حكاية تقترب من حكاية عبد الرحمن هرون أو حكايتي في السير ليلاً وبرعونة في «مزارع القات» المحروسة بالبنادق!!
٭ دائماً نقول!! نرى في نهاية النفق ضوءً هل اختفى هذا الضوء؟ والذي يمثل شعاعاً من الأمل، والشباب مثل عبد الرحمن يخاطرون بحياتهم التي أضحت «قصة مسلية» لقارئ الصحف الأوروبية!!
٭ أي بؤس وأي شقاء نعيشه نحن!!
قال لي شاب عاطل عن العمل!! والله إذا فتحوا الحدود عشر دقائق البلد دي ما يفضل فيها «طفاي النار» أو كما قال.