شمائل النور : زوجة مسؤول..!
لم يجد الملازم شرطة توفيق حرجاً من تفتيش حقيبة تتبع لإحدى السيدات المغادرات عبر مطار الخرطوم، ضمن مهامه المعتادة، حتى وبعد ما علم أن السيدة زوجة وزير، أصر الملازم على متابعة إجراءات تفتيش الحقيبة بعد الاشتباه بها، نتيجة ذلك، وجد الملازم نفسه أمام سيل من الاستفسارات من مديره المباشر، ليتفاجأ الملازم توفيق في نهاية الأمر أنه ومديره المباشر موقوفان عن العمل لحين إجراء تحقيق حول الحادثة، طبعاً، بعد ما خاطب الوزير عدداً من الجهات الرسمية، يشكو لهم (مهنية) بعض ضباط الشرطة ومعاملتهم زوجات المسؤولين كما بقية المواطنين العاديين ممن لا يحملون الجواز الدبلوماسي، هذه جريرة ضابط المطار، وهذا جزاؤه. بدلاً عن المكافأة، وجد نفسه أمام تحقيق، وربما ذهبت به القضية إلى أبعد من ذلك، حيث رفع شكوى ضد زوجة الوزير، وبالوقائع التي حدثت بالمطار، ليس منطقياً أن يكون قد كسبها. تلك الحادثة وقعت العام الماضي.
نشرت وكالات إخبارية الأسبوع الماضي، صورة لزوجة حاكم ولاية مين الأمريكية، زوجة الحاكم تعمل نادلة في أحد مطاعم الولاية للحصول على دخل إضافي، لأن الراتب الرسمي لا يكفي لسد حاجات الأسرة، وعلق زوجها الحاكم على عمل زوجته “إنها تسير على خطى ابنتهما التي كانت تعمل نادلة أيضاً. ليس أمراً مستغرباً أن تعمل زوجة مسؤول رفيع في أي من المهن، وتمارس حياتها بوضع طبيعي بعيداً عن صفة زوجها، بل هذا ما ينبغي أن يكون عليه الحال الطبيعي، وليس فقط درءاً لشبهات فساد، لكن مع ذلك، لا ينبغي أن تكون هناك بطاقة رسمية تحمل صفة “زوجة مسؤول” أو “إبن وزير” تفتح الطريق أمام حاملها وتمنحه امتياز تخطي الإجراءات الطبيعية وفوق ذلك تمنح حاملها حصانة عتيدة من المساءلة، بل تمنحه مهنة يتكسب منها.
زوجة الوزير وغيرها ليست نشازاً من قاعدة عامة لدينا، ولم تأت شيئاً نُكرا، هي وليدة بيئة تمنح كل هذه الصلاحيات لأسرة المسؤول طوعاً، والأمر ليس مرتبطاً على الإطلاق بنظام سياسي أو جماعة محددة، لأن الأمر في أصله ثقافة مجتمع وتربية، ينبغي أن تعززها الدولة بالالتزام المؤسسي، لكن بدلاً من تعزيزها أو حتى غرسها، المؤسسة تحاسب منسوبيها إذا ما التزموا، ويمكن أن يصل بها الأمر إلى الفصل عن العمل، أو إنزال أقسى العقوبات، فقط لأن منسوبها أراد أن يلتزم المؤسسية ومعاملة “قريب” المسؤول كما المواطن، “قريب” المسؤول وليس “المسؤول”.. ولنا أن نتصور الوضع، بعد معاقبة تنفيذي لأنه التزم بعمله ولم يفرق بين “زوجة مسؤول” ومواطنة عادية، ماذا يمكن أن يحدث، هل سيسير زملاؤه على درب الالتزام، ليجدوا أنفسهم بلا عمل؟