محمد لطيف : أحقاً.. كل الأوراق بيد أمريكا
بلغته الرصينة الرفيعة.. ولكن على طريقة الإمام الصادق المهدي في الترتيب والترقيم.. أصدر الأستاذ ياسر عرمان الأمين العام للحركة الشعبية بيانا حملت ديباجته إيضاحا أنه يأتي ردا على عديد الاستفسارات التي وردته من تلقاء وسائل الإعلام حول موقف الحركة من الحوار الأمريكي السوداني.. سارع بيان الحركة إلى توضيح مهم في فاتحته وهو أنه ليس مأخوذا من وراء ظهره.. وهذه مسألة نفسية مهمة لدى الساسة السودانيين.. فكلما فاتحت سياسيا سودانيا في أمر إلا وسارع للتأكيد لك أنه على علم بالأمر.. إن لم يفاجئك أنه هو شخصيا صاحب المبادرة في ذلك الأمر.. فجاء البند الأول في بيان الحركة: (تم إبلاغنا رسمياً بواسطة المبعوث الأمريكي للسودان ولجنوب السودان بالحوار الذي يجري بين الطرفين قبل نحو أسبوعين.).. وبغض النظر عما إذا كانت فترة الأسبوعين كافية لرفع الجهالة عن علم الحركة بهذا الأمر الخطير.. سيما وأن إرهاصات هذا الحوار قد استغرقت زمنا طويلا.. إلا أن المهم أن الحركة على علم.. ورغم أن البند الثاني مباشرة كان هو الترحيب بهذا الحوار كما جاء نصا: (الحركة الشعبية ترحب بهذا الحوار بين الإدارة الأمريكية والنظام الحاكم في السودان).. ولكن قبل ذلك فالديباجة التي حملها البيان أعابت على الإعلام الحكومي احتفاءه بهذا الحوار إذ يقول البيان في مقدمته: (قام الإعلام الحكومي بحملة دعائية كبيرة مصوراً الحوار بين الإدارة الإمريكية والحكومة السودانية كعملية ستؤدي إلى رفع العقوبات وستكون على حساب القوى المعارضة، وإنها جاءت لإدراك الإدارة الأمريكية لأخطائها المتراكمة تجاه السودان وضمنها فصل جنوب السودان!!).. واللافت هنا أنه إذا كانت الحركة الشعبية.. الخصم اللدود للنظام الحاكم في السودان قد رحبت بهذا الحوار.. فما الذي يمنع النظام الحاكم نفسه من أن يحتفي به..؟
أما البيان الذي جاء مرتبا ومرقما فقد عكس قدرا من البراغماتية لا يخفى على المتأمل في نصوصه.. فقد ظل يراوح بين الترحيب والتأييد والرهان عليه في تفكيك الأزمة السودانية.. وفي ذات الوقت.. بين التذكير بتجاوزات النظام.. ولكن الملاحظة الجديرة بالتوقف عندها كانت محاولة الحركة.. عبر بيانها هذا.. تنصيب نفسها كقيم على المجتمع الدولي.. والإيحاء بعبارة لم ترد نصها في البيان.. ولكن جرت معانيها بين أسطره.. مجرى الدم في العروق.. خلاصتها.. أنكم لا تعرفون ألاعيب هذا النظام.. احذروا من أن يخدعكم مرة أخري.. انظر مثلا للنص التالي: (الإدارات الأمريكية المتعاقبة حاورت النظام السوداني على مدى (27) عاماً ولكن النظام السوداني ظل يمارس سياسة شراء الوقت ويتجاهل عمداً قضايا التغيير وإنهاء الحروب، وهذا يجب أن يؤخذ أيضاً في الحسبان).. وهذه عبارات تحريضية اكثر من كونها وقائع.. وهي تعكس بالضرورة انزعاج الحركة من أي تقارب بين النظام السوداني وبين المجتمع الدولي.. ولكن.. وفي ذات الوقت.. فالوجه الآخر لبيان الحركة يعكس.. بل يؤكد أنها مغلوبة على أمرها.. وليس من سبيل أن تسبح عكس التيار.. وهذا يؤكده خلاصة بيان الحركة التي أعادت إلى الأذهان عبارة الرئيس المصري الرحل أنور السادات الشهيرة.. (كل الأوراق بيد أمريكا)..!