حسين خوجلي

أنسٌ في الهـــــواء الطلــــْق


< كلما ارتفعت أسعار السلع التموينية وانكمش أصحاب الدخل المحدود وتقاصروا قهراً واستحكمت الحكومات بالتبريرات، يبرز إلى السطح «صحن الفول» الأغبش ود القبايل ليحل الضائقة وينقذ الملايين.. إنني أخاف من انطلاق حزب كهذا وهتاف الملايين «عاش كفاح الفول السوداني». < عندما خرج الشاب قال لي مديره: إن هذا الفتى سبب نجاح مؤسساتنا وإنقاذها من الإفلاس عبر تجربته الرصينة في فن المعلومات والكمبيوتر والتسويق، جاء والده الأستاذ وكتب تزكية صغيرة مفادها «هذا إبني ربّيته بأخلاق المدرسين السودانيين من أهل العفّة والمعرفة إنه ليس نظيف اليد فقط وصاحب ذكاء وفطنة لكنه أيضاً وبعون الله غير قابل «للفساد». قبلناه إيماناً بأخلاق المدرس السوداني فصار لنا بقدرة قادر «المخلص». < من «محن» الأستاذ عبدالباسط سبدرات، ردّ الله غربته، قوله بأن أغلب الشعوب في المنطقة تفكر بعقلها أو بقلبها إلا الشعب السوداني فانه يفكر «بكبدته» ولذلك فان أغلب أكباد شعبنا معطوبة.. وأنت كيف كبدتك يا عبدالباسط من غير البيت الذي تبكي على كتفه ليل نهار: ولي كبِدٌ مجروحةٌ مَن يبيعني كبداً ليست بذات جروحِ أباها عليَّ الناس لا يشترونها ومَن يشتري ذا علّةٍ بصحيحِ < لكل عاصمة ظريف، ومن ظرفاء بغداد أبو العيناء وكان ضريراً سلّم عليه أحد الناس فلم يعرفه فقال له: من أنت؟ فقال له وهو يمازحه: «من بني آدم»! فتعلق به أبو العيناء وقال له: «مرحباً بك.. كنت أظن أن هذا النسل قد انقطع». < قد نالت الفتاة العربية ما نالت من قدح وذم حين دخلت سلك الشرطة والدفاع، فغير المقالات المباشرة والكاريكاتير اللاذع لم يقصّر الشعر ولكن بلطف.. ومن القصائد التي تحفظها حسناوات السلك العسكري قول الشاعر: ظلموك إذ جعلوك يا غُصن النقا في العسكريّة أُلبِستِ أخشن ملبسٍ مؤذٍ لبِشرتك الطريّة عقدوا بخصرك خنجراً حَرَسُ الكتيبة والثنيّة وبقربة غدارة حُشيت كطرفك بالمنية وعلى حذائك فوق ساقك قد حمّلوك من الأذية قد كان يكفي من جفونك لحظة تُسبي البرية هَبْ لي بربك لفتةً إني لأقنعُ بالتحيّة < ولشعراء الشام أشعار رصينة ولاذعة ولطيفة في ذم التبرّج ولبس «البكيني» «وجكسا في خط ستة» وأحسب أنها للقروي: لحدِّ الرُكبتين تشمرينا بربك اي نهر تعبرينا مضى الخل حين الساق امست تطوّقها عيون الناظرينا هوى عرش الجمال عن المحيّا إلى الأقدام فاستهوى العيونا كان الثوب ظل في صباح يزيد تقلُّصاً حيناً فحينا تظنّين الرجالَ بلا شعورٍ لأنك ربما لا تشعرينا وليس بعاصمٍ عقلاً وديناً فكم سلَبَ الهوى عقلاً ودينا وماذا ينفع التهذيب نفساً تحارب فيك إبليس اللعينا فيا ليت الحجاب هوى فأمسى يردُّ الساق عنّا لا الجبينا < ومن روائع أحمد محمد الشيخ الجاغريو ما يبعث على الابتسام المغسول بالدمع في «بنوت الزمن»: يا حليل الكان كلامن ومشْيَتِن بي روقة الكان نادر الفيهن تشوفو مروقه في قديمة العدم عينيها ديمة طروقة لي جاراتا ان مرَقَت مَشَت مسروقة < ما شفت في جيل الزمن معشوقة لو ولد إشتكى طول هجرها ونار شوقه لذلك تشوف ام قامتن ممشوقة لكن النعامة ما بتضارى فشوقه < طلعن في الطريق سافرات بكل صراحة نسن الحشمة في زمن الدروس والراحة ما دام الواحدة من وليانه لاقيه براحة ما تلوموها ان لفّت مع الطراحة ترى ماذا سيقول الجاغريو لو رأى زمان عهد الزواج السري والعرفي وزواج السندوتش وزمان النصف ساعة FREE وخلوة «اللاب توب».. وقول يا رب!! < ما زلت أحلم بإصدار كتاب عن الشعراء الأقباط في الأدب السوداني ولكن (نبيل غالي) عامل نايم!! ومن اللطائف التي وجدتها قصيدة (البابلية) لعزيز التوم منصور الراحل الذي لا يُنسى ولا تخطؤه العين، فقد رثى هذا القبطي الخطير مدير مكتب الراحل عمر الحاج موسى، الخمر حين أهرقها نميري في النهر.. فقال: عُصِرَتْ لليلةِ متعةٍ مشهودةٍ إذ العروس منِّي بغير ثيابها تتعدد الأوصاف في ألوانها كتعدُّد الأسماء في أنسابها الرّاحُ من أسمائها والليلُ من نُدمائها والخمر من ألقابها وقفوا بشطِّ النيل يوم وداعها في لوعة لعذابهم وعذابها سالت وسال النيل وامتزجت به والموج مندفعٌ على أعقابها عادت لبابل في ثياب مذلّةٍ ما كان أكرمها على أثوابها إنِ الأُلَى سجد الرجالُ لبأسِهِم من بأسها سجدوا لدى أعتابها البابلية طالما سامرْتُها ونعمت في ليل الهوى بِرِضابها إنّ الرئيسَ أبى عليَّ وصالها وأقام حُرّاساً على أبوابها وإذا الرئيس أبى أبيتُ وطاعتي لا ترتقي الشبهاتُ في أسبابها هذا زعيمي وقد رضيتُ بِحُكمِهِ وشريعةٍ ما كنتُ من أربابها والقصيدة جميلة وصادقة رغم المفارقة.. وقد جعلتني أتساءل؛ تُرى من الذي أخرج الأقباط السودانيين من الأدب والسياسة والأفكار وجعلهم مجموعة من بائعي الحجر والطلس والأخشاب والثريات الزائفة؟!.. < ومما يصلح للنسيب والسياسة والشكوى: وددتُ من الشوق المبرِّح أنّني أُعارُ جناحَيْ طائرٍ فأطيرُ فما لنعيمٍ ليس فيه بشاشةٌ وما لسرورٍ ليس فيه سرورُ وإنْ امرئٍ في بلدة نصفُ قلبِهِ ونصفٌ بأخرى غيرها لصبورُ ونصف «بلدة» هنا الشمال والنصف الآخر الجنوب.. إنها مقدمات الحزن في حق تقرير المصير المحتوم والجرح الغائر وتدبير الأجنبي وقابلية شعورنا للاستعمار. < اتصل بي أحد الإخوة الولاة حين تعيينه، فقال مبتسماً: وما هي وصية الصحافيين للولاة؟ فقلت: حكاية عمر بن عبد العزيز حين أُهدِي إليه تفاح لبناني وكان قد اشتهاه فردّه.. فقيل له: قد بلغك أن النبي كان يأكل الهدية؟ فقال: إن الهدية كانت لرسول الله هدية ولنا رشوة.. < ومن ديمقراطية الفقهاء قول أبو حنيفة (هذا الذي نحن فيه رأي لا نجبر أحد عليه ولا نقول يجب على أحد قبوله بكراهية.. فمن كان عنده شيء أحسن منه فليأت به).. مقولة تمنيت أن تضعها البيوت السودانية على أبوابها. < وكان أديبنا الطيب صالح، عليه الرحمة ونرجو له القبول والجنة، شديد الإعجاب بالشعر الشعبي. وكان يقول تعجبني في أشعار ود آمنة حركة الروح والجسد ويقرأ: أح وا غُلبي من حسساً شديدة رَجِعْتو كتْمُو يضيِّق الأخلاق وحارة فَجِعتو الخلاني قُمري الليل احاكي سجِعتو فقد الْ أدْعَج القَبَضَت مشابكي وَجِعتو < وفي برلمان الهواء الطلق خطب معاوية يوماً فقال: إن الله تعالى يقول: «وإنْ مِنْ شيءٍ إلا عندنا خزائِنُهُ وما نُنَزِّلهُ إلا بقَدْرٍ معلوم» فعلامَ تلوموني؟ فقال له الأحنف بن قيس: ما نلومك على ما في خزائن الله ولكن على ما أنزل الله من خزائنه وجعلته في خزائنك وحُلْت بيننا وبينه.