امام محمد امام : رمضانُ ولى وعيدٌ مضى يا صاح
ودعنا شهر رمضان المبارك، وداع الصائمين الطائعين الطامعين في أن يتقبل الله تعالى منا الصيام والقيام، ويجزينا به ما وعدنا، فقد روى الشيخان البخاري ومسلم في صحيحهما عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ «صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (قَالَ اللَّهُ كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ), فالله تعالى هو الذي يُجزي الأعمال كلها، ولكنه خص الصيام بهذا الفضل. وقد ذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني من كلام أهل العلم عشرة أوجه في بيان معنى الحديث، وسبب اختصاص الصوم بهذا الفضل، وأهم هذه الأوجه ما يلي: > إن الصوم لا يقع فيه الرياء كما يقع في غيره، قال القرطبي: لما كانت الأعمال يدخلها الرياء، والصوم لا يطلع عليه بمجرد فعله إلا الله فأضافه الله إلى نفسه، ولهذا قال في الحديث: «يدع شهوته من أجلي». وقال ابن الجوزي: جميع العبادات تظهر بفعلها وقلّ أن يسلم ما يظهر من شوبٍ (يعني قد يخالطه شيء من الرياء) بخلاف الصوم. > إن المراد بقوله: «وأنا أجزى به» أني أنفرد بعلم مقدار ثوابه وتضعيف حسناته. وقال القرطبي: معناه أن الأعمال قد كشفت مقادير ثوابها للناس وأنها تضاعف من عشرة إلى سبعمائة إلى ما شاء الله إلا الصيام فإن الله يثيب عليه بغير تقدير. ويشهد لهذا رواية مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ «صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ»، أي أجازي عليه جزاءً كثيراً من غير تعيين لمقداره، وهذا كقوله تعالى: «إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب». > إن معنى قوله: «الصوم لي» أي أنه أحب العبادات إلي والمقدم عندي. قال ابن عبد البر: كفى بقوله: «الصوم لي» فضلا للصيام على سائر العبادات. وروى النسائي في سننه عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قال رَسُولَ اللَّهِ «صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «(عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لا مِثْلَ لَه), صححه الشيخ محمد ناصر الدين الألباني في صحيح النسائي. > إن الإضافة إضافة تشريف وتعظيم، كما يقال: بيت الله، وإن كانت البيوت كلها لله. قال الزين بن المنير: التخصيص في موضع التعميم في مثل هذا السياق لا يفهم منه إلا التعظيم والتشريف. وها نحن – يا هداك الله – نودع رمضان سائلين الله تعالى القبول والجزاء، وأن نكون قد صُمناه وقُمناه إيماناً واحتساباً ليغفر لنا الله ما تقدم من ذنبنا، تنزيلاً لقول رسول الله «صلى الله عليه وسلم» (منْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ), فنحن نقول رمضان ولى يا صاح، ولكن قولنا ليس مثل قول أمير الشعراء أحمد بيك شوقي عندما ولى عنه رمضان، حيث قال: رَمَضانُ وَلّى هاتِها يا ساقي مُشتاقَةً تَسعى إِلى مُشتاقِ بِالأَمسِ قَد كُنّا سَجينَي طاعَةٍ وَاليَومَ مَنَّ العيدُ بِالإِطلاقِ ضَحِكَت إِلَيَّ مِنَ السُرورِ وَلَم تَزَل بِنتُ الكُرومِ كَريمَةَ الأَعراقِ هاتِ اِسقِنيها غَيرَ ذاتِ عَواقِبٍ حَتّى نُراعَ لِصَيحَةِ الصَفّاقِ ونسأل الله تعالى أن تكون عبادتنا واجتهادنا في طاعة الله في رمضان وغير رمضان. قيل لِبِشْرِ الحَافِي: إنَّ قَوماً يَتعبَّدون ويجتَهِدُون في رمضان؟ فقال: «بِئْسَ القومُ قومٌ لا يَعرفُونَ للهِ حَقَّاً إلَّا في شَهْرِ رَمَضَان، إنَّ الصَّالحَ الذي يَتَعَبَّدُ ويَجْتَهِدُ السَّنَة كلَّها». فنودع رمضان بمثل ما استقبلناه بالطاعة والإيمان، والبر والإحسان. قال ابن رجب الحنبلي في «لطائف المعارف»: بعض السلف كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم شهر رمضان ثم يدعون الله ستة أشهر أن يتقبله منهم. خرج عمر بن عبد العزيز في يوم عيد فطر، فقال في خطبته: أيها الناس إنكم صمتم لله ثلاثين يوما و قمتم ثلاثين ليلة وخرجتم اليوم تطلبون من الله أن يتقبل منكم. كان بعض السلف يظهر عليه الحزن يوم عيد الفطر فيقال له: إنه يوم فرح وسرور فيقول: صدقتم، ولكني عبد أمرني مولاي أن أعمل له عملا فلا أدري أيقبله مني أم لا؟. فرمضان ولى يا صاح، فدعنا نردد قول الشاعر: ترحَّلت يا شهرَ الصيامِ بصومِنا وقـدْ كنتَ أنواراً بكلِّ مكانِ لئنْ فَنِيَتْ أيامُك الزُّهرُ بَغتـةً فما الحزنُ مِنْ قلبي عليك بِفَانِ عليكَ سلامُ الله كن شاهداً لنا بخـيرٍ رعاكَ الله مِنْ رمـضانِ وعيد الفطر المبارك قد مضى أيضاً، بعد أن تسامى المسلمون بعيدهم في تحقيق معاني الإسلام الاجتماعية المتمثلة في التسامي والتصافي والتوادد، ومعانيه الإنسانية المتمثلة في التذكير بحق الضعفاء في المجتمع الإسلامي، حتى تعم الفرحة بالعيد كل بيت، وكل أسرة، وهذا هو الهدف من تشريع «صدقة الفطر» في عيد الفطر. والعيد لغةً: هو كل يوم فيه جمع، وأصل الكلمة من عاد يعود، قال ابن الأعرابي: سُمي العيد عيداً لأنه يعود كل سنة بفرح مجدد. واصطلاحاً، هو أحد العيدين اللذين أبدلهما الله تعالى للمسلمين. فقد روى أبو داود والترمذي في سننهما أن النَّبيُّ «صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ» قَدِمَ المدينةَ ولَهُمْ يومَانِ يلعبُونَ فيهِمَا، فقال رسول الله «صلى الله عليه وسلم: «»قدْ أبدلَكم اللهُ تعالَى بِهِمَا خيرًا مِنْهُمَا يومَ الفطرِ ويومَ الأَضْحَى»، لذا فالقول أيام عيد الفطر غير صحيح فعليا، لأنه يوم واحد فقط. ويوم العيد هو يوم فرح وسرور، وأفراح المؤمنين في دنياهم وأخراهم إنما هي بفضل مولاهم كما قال الله: «قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ».