عثمان ميرغني

لماذا لا نحرّم الأحزاب العقائدية؟؟


قرار الحزب الشيوعي السوداني بفصل الدكتور الشفيع خضر أثار موجة ردود أفعال غالبها من خارج أسوار الحزب نفسه.. انحصرت كلها في (مع) أو (ضد) القرار.. لكني في تقديري أن الأمر يحتاج إلى نظرة مختلفة.
السؤال الذي يجب أن يُطرح بكل قوة.. هل لا يزال عالم اليوم يحتمل أحزاباً (عقائدية!).. يقوم قوامها على التزام صارم بنظرية أو مذهب؟..
مثلاً.. حزب للحركة الإسلامية.. حزب لأنصار السنة.. حزب للجمهوريين.. حزب للشيوعيين.. حزب للبعثيين.. يتطلب للعضوية فيها مراسم (تعميد).. وفي حال أيِّ اختلاف أو خلاف لاحقاً في الرأي.. ليس أمام الحزب إلاّ إطلاق الصافرة وإشهار البطاقة الحمراء..
هل يستطيع مواطن صوفي.. له عاطفة نحو إحدى الطرق الصوفية الانضمام لحزب (أنصار السنة)؟؟
هل يستطيع (مواطن ساي) الانضمام للحزب الشيوعي.. دون أن يمر بإجراءات (فيش وتشبيه) للتأكد من جيناته الفكرية..
صحيح في الماضي كان التنافس السياسي محمولاً على أعناق النظريات العقائدية.. ليس على مستوى الدولة الواحدة، بل حتى على مستوى العالم أجمع.. فانقسم إلى عالميْن.. شرقي اشتراكي.. وغربي رأسمالي.. ولم يجد باقي العالم سوى أن يرفع لافتة (عدم الانحياز) ليعرف نفسه قوة ثالثة..
لكن عالم اليوم تغيّر كثيراً.. حتى الاتحاد السوفيتي الذي كان يقود كتلة دولية ترفع راية الشيوعية تنازل عن الانتماء المذهبي وأصبح دولة تمشي في الأسواق وتأكل الطعام مثل أية دولة أخرى.
والصين التي كانت شيوعية.. واكبت الزمان فاحتفظت برمزية الفكرة الشيوعية وانفتحت على الرأسمالية..
ما الذي تهدف إليه الدولة من إنشاء الأحزاب؟ الإجابة التي لا تقبل الجدل.. هي منصات (نشاط سياسي) مفتوح لتحقيق (البرامج) التي تصب في مصلحة الدولة كلها.. والشعب كله (وليس المُنتمين للحزب)..
لماذا تغلق عضوية الحزب على المُتدينين فقط بدينه؟ طالما أنّ الحزب يعمل لصالح كل الشعب.. لماذا من الأصل يحتاج الحزب – أي حزب – لـ (فيش وتشبيه) فكري لمعرفة “دين” العضو.. وكلمة “دين” هنا مقتبسة من الآية (كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ).. ألم يحن الوقت لإصدار قانون يحرم الأحزاب العقائدية.. تماماً مثل الجهوية والقبلية وغيرها..
الأحزاب (المغلقة!) فكرياً تتحوّل بطبيعة الحال إلى نشاط سري أقرب إلى المُنظّمات الشهيرة (المافيا مثالاً) يصبح العُضو في محل اختبار أمني مُتواصل.. وتحيط بها أسوار عالية من السرية وضروب العمل تحت الأرض.. مُناقضاً تماماً للهدف من الحزب.. وفاقد الشيء لا يعطيه.. كيف يبني حزب (مغلق) دولة راشدة تقوم على مبادئ (الشفافية) التي يفتقدها الحزب نفسه..
الزمن تغيّر.. قبل ثلاث سنوات لم يكن أحد يعرف (الواتساب).. اليوم أصبح وسيلة التواصل الأولى.. وسماوات الإنترنت ستبتلع حتى صحفنا هذه.. والفضائيات.. ويصبح العالم كله مجرد كمبيوتر لوحي صغير.. فلماذا نصر على (تعليب) أنفسنا في مَاضٍ تولى..
المُشكلة ليست في فصل الشفيع.. بل المُشكلة في مفهوم (الحزب) الدين!!