اسحاق الحلنقي : ثلوج ما بعد الخمسين
٭ قالت له هل يمكن لمهزوم أن يكون منتصراً في معركته ، قال لها يمكن أن يكون ذلك في حالة واحدة فقط هو أن يكون هذا المهزوم مغرماً بخصمه في المعركة.. وأكد لها كم من حمامة رقيقة انتصرت على صقر أحبها وكم من جبار انكسر أمام عيون هام بها ، لا يمكن أن يكون الانتصار انتصاراً إلا إذا كان هناك توازناً في العلاقة، فالكمنجة الرقيقة لا يمكن أن تنتصر في معركة ضد دبابة (مجنزة) إلا إذا كانت هذه الدبابة مغرمة بما تحمله الكمنجة من موسيقى.
٭ أثناء فترة غيابي في دولة الإمارات ظل الفنان إبراهيم حسين يرفض أن يتسلم أغنية من شاعر مهما كان جمالها وكان يقول دائماً إن الشعر الحقيقي هو ما أكتبه أنا ، أدت هذه الكلمات الجارحة إلى ابتعاد الشعراء عن حديقته الفنية وتركه للأيام تفعل به ما تريد، الشاعر مختار دفع الله ادعى أمام الفنان إبراهيم حسين أنه هاتفني في دولة الإمارات وقال إنه تسلم مني قصيدة موقعة باسمي مهداة له، تسلم إبراهيم القصيدة باعتبار أنها من كلماتي بعد أيام كان قد أكمل لحنها إلا أنه قبل أن يدلف إلى الاستديو لتسجيلها لحق به الأخ مختار ليقول له إن القصيدة ليست من كلمات الحلنقي وإنما هي من كلماتي أنا ، ومنذ تلك الليلة تحرر إبراهيم من عقدة اسمها أغنيات الحلنقي.
٭ وأنا أضع أمامي صحناً من الفول (المصلح) تفاجأت أن قطعة الخبز في وسط المائدة ماهي إلا مجرد عصفور صغير شاحب الأجنحة ، لا يزيد وزنه عن قبضة اليد ، رحت أسأل نفسي عن الرقابة التي من حقي عليها أن تمنحني خبزاً مستوفياً للوزن يمنح إمعائي شيئا من الشبع ، إلا أنني ربما سانتظر طويلاً لأحقق هذه الأمنية ، ذكرني ذلك الرئيس الراحل منقستو الذي أمر بدفن خباز كان يبيع الخبز منقوصاً داخل فرن يغلي ومن يومها لم تشهد أثيوبيا خبزاً يباع للمواطنين بوزن ناقص.
٭ كتب الشاعر المصري مرسي جميل عزيز أغنية (فات الميعاد) للفنانة أم كلثوم، ثم كتب بعده الشاعر محمد يوسف موسى أغنية (فات الأوان) للفنان صلاح بن البادية، أما أنا فقد كتبت أغنية (راح الميعاد) للفنان عثمان مصطفى، وقد علق على ذلك السر قدور قائلاً إن هؤلاء الأحباب الثلاثة من الشعراء اتفقوا جميعاً على أن يتقاسموا كعكة المواعيد، إلا أنهم فشلوا وأضاف أن ذلك يعود إلى تعرض أيامهم إلى ثلوج ما بعد الخمسين مما جعلهم يفشلون في قطف حبة واحدة من عناقيد ليس لها مواعيد.
٭ كنت أتمنى من أعماق قلبي أن أظل مجرد موظف بسيط في إحدى المؤسسات في مدينة كسلا، أعود إلى منزلي آخر النهار وأنا أحمل ما كتبه الله لي من رزق حلال أتناوله مع أسرتي الصغيرة ، ثم أضع رأسي على الوسادة ليلاً لأنام وأنا قرير العين على أصوات المدائح القادمة من القباب البيض بحي الختمية، إلا أن الأقدار كانت ترسم لي غير ذلك، حيث أخذتني إلى هجرة طويلة لم أكن أسعى لها ولكنها بلونها البرتقالي أخذت تحدثني عن قصر من النجوم، تبين لي في آخر الأمر أنه كان قصراً من دموع.
هدية البستان
الزمن كان مبتسم والليالي جميلة حالمة
كانت الأيام بتمضي حلوة ريانة ومسالمة
لا شكينا من الزمن لا التقينا بلحظة ظالمة
وبى هنانا الدنيا كانت يا حبيب العمر عالمة