عثمان ميرغني

التكرار يعلِّم الشطّار..!!


أدهشني خبر لاجتماع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين انتهى بقرار يقول (الانقلاب في تركيا حرام شرعاً)..
خُطورة مثل هذه الأخبار أو القرارات أنّها تزج بالدين الإسلامي في تقاطعات خلافية لا شأن له بها..
الانقلاب.. أيِّ انقلاب عسكري في أيِّ مكان في العالم محرم ليس بالدين والإسلام.. بل بالقانون المحلي لكل دولة.. فإذا كان الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يريد بهذا القرار أن يبرهن على مناصرته لتركيا.. فالأوجب أن يضع ذلك في الإطار الصحيح ويقول (الانقلاب عمل غير قانوني).. ويقع تحت طائلة الحرام بمقتضى القانون بلا حاجة لوضع الإسلام هنا في ديباجة القرار.. حتى لا تبدو استغلالاً للدين ومُتاجرة به.. فالدين يجرم كل ما يحرمه القانون.. فإذا كان القانون يحرم قيادة السيارة في الاتجاه الخطأ في الطريق.. فإنّ الدين أيضاً يحرم ذلك.. فما الحاجة هنا لتمييز الدين بما يوحي أنه قيمة منفصلة عن سائر الشأن العام..
والحقيقة التي لا أضجر من تكرارها.. أن الإشارة إلى (الإسلام) كقيمة منفصلة في الحياة هو سلوكٌ يقع فيه من يحتمون بالبطاقة والديباجة الإسلامية أكثر من مقارعيهم.. الفهم الخاطئ للدين مصدره المتسمون به أكثر من أعدائه.. فالدين (قيمة صفرية) لا تنفصل عن شؤون الحياة إطلاقاً ولا يتوجّب الإشارة إليه بما يوحي أنه قيمة معزولة عن الحياة.. فحينما يصف علماء أنفسهم بأنّهم (الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) فإنّهم هنا لا يعبرون عن (تخصص) علمي بقدر ما يُوحي ذلك بفصل العلم وتمييزه حسب دين العلماء..
عالم الطاقة الذرية أو الفضاء أو الجيولوجيا في أيِّ مكان من العالم لا يستمد ولا يصنف علمه حسب دينه.. إلاّ لمن يحاول أن يضع الدين قيمة منفصلة ومعزولة عن العلم..
وعلى ذات السياق، علماء العلوم الطبيعية أو البيولوجية أو أي علم آخر.. هم بالضرورة علماء في (الدين).. بمقتضى كل النصوص التي تدعو للعلم والتفكر وترفع من قيمة الذين يعلمون في مقابل الذين لا يعلمون..
وعندما أكرِّر القول بأنّ الدين (قيمة صفرية) أقصد بأنه مرجع حتمي ومنصة تنطلق منها كل تفاصيل الحياة بلا حاجة لإسناد مرجعيته وتمييزها حتى لا يخالطها إيحاء انتفاء الشمول..
والقيمة الصفرية أقصد بها القيمة المرجعية التي تُقاس منها الأشياء دون الحاجة لذكرها.. فالرقم 7 مثلاً يعني 7 درجات فوق الصفر.. فهل احتاج أحد للإشارة للصفر لتأكيد حساب الـ (7) فوقه..
إذا قرّر طبيب مسيحي لمريض مسلم أن يمتنع عن تناول طعام بعينه لخُطورته على صحته. فإنّ هذا الطبيب يضيف سجلاً في قائمة (الحرام شرعاً) لهذا المريض المسلم دون حاجة لأن يتلقى هذا المريض فتوى شرعية من (اتحاد علماء المسلمين).. فقيمة علم الطبيب المسيحي هنا مُستمدّة من الإسلام دون حاجة للبطاقة والديباجة..
والحقيقة أنّ أممية الإسلام وعالميته تستوجب الإقرار بشموله لكل شؤون (الإنسان) من حيث كونه إنسان.. بلا حاجة لتخصيص الاعتقاد الديني.