محمد لطيف : حين يفوق الواقع.. التصورات
صحيح.. كنا على قناعة في طيبة برس.. كما قال فيصل محمد صالح في فاتحة الندوة.. أن موضوع جنوب السودان وما يجري فيه يهم الكثير من السودانيين.. ولكن لم نتصور أن يبلغ هذا الاهتمام حد أن تمتلئ قاعة الشارقة الكبرى.. مقاعدها وجنباتها وممراتها الخارجية.. وتفيض.. ندوة الأوضاع في جنوب السودان ودور السودان بقاعة الشارقة أمس الأول أثارت العديد من القضايا.. ورؤوس المواضيع.. وإن لم تقدم إجابات شافية.. دفعت الحضور للمطالبة بمزيد من اللقاءات.. صحيح أن ثمة تحليلات متعددة أطلقها المتحدثون حول أسباب ما يحدث هناك.. بدءا من الدكتور منصور خالد ومرورا بالطيب زين العابدين والدكتور الدرديري محمد احمد وانتهاء بالدكتور محمد يوسف أحمد المصطفى الذي تقاسم مع غريمه الدرديري.. في رأيي الشخصي.. نجومية الليلة.. وسأوضح لاحقا..!
غياب البرنامج المتفق عليه كان واحدا من الأسباب كما قيل.. الانقلاب على برنامج ومفاهيم الحركة الشعبية والقائد المؤسس كانت سببا ايضا ورد في الندوة.. بدا أن ثمة إجماعا على الإثنية كواحد من أسباب التشظي الذي يشهده جنوب السودان.. ولكن.. ومع حساسيتي تجاه موضوع الإثنية هذا بعد درس تلقيته من قبل.. إلا أن أفضل تفسير قدم في الندوة عن تأثير الإثنية على صراع جنوب السودان.. كان أن تقزم الرؤية القومية.. وغياب البرنامج الوطني.. دفع المتصارعين هناك للانكفاء إلى إثنياتهم.. والارتداد اليها.. بعد انهيار أحلام السودان الجديد.. برحيل قرنق.. أو برحيل هؤلاء القادة.. من بعده.. جنوبا..!
الدكتور منصور خالد.. وهو المتحدث الرئيس ليلتها.. لم يشأ الخوض في تفاصيل الراهن.. بل طوف عليها تطوافا.. ولكن بعد تساؤل رئاسة الجلسة.. الأستاذ محجوب محمد صالح.. عاد منصور الي الإشارة إلى التجاذب وتبادل الاتهامات والأموال المهدرة.. كأني به يعني أن الفساد في الطبقة الحاكمة واحد من أسباب تفجر الصراع.. في تقديري أهم ما قال منصور.. محاولته الدفع بعيدا بالإثنية عن تصدر أسباب الصراع.. مقدما الشواهد.. معددا النماذج.. وهو الباحث وشاهد العصر الذي لا تخلو خزانته.. بروفيسور الطيب زين العابدين انشغل بما يحدث في الخرطوم أكثر من انشغاله بما يحدث في جوبا.. ولكنه وهو أستاذ العلوم السياسية المتمكن في التحليل.. كان قادرا في نهاية الأمر علي صياغة ما يمكن اعتباره برنامج عمل يجمع سودان الشمال حكومة وشعبا لدعم سودان الجنوب..!
كان الأكثر إثارة ما فجره الدكتور الدرديري محمد أحمد ثم أعقبه الدكتور محمد يوسف أحمد المصطفى من نقد ذاتي.. كل لرهطه.. بدأ الدرديري فقال.. إن السودان يمكن أن يحدث فيه ما حدث في جنوب السودان.. وقال إن أفضل ما يقدمه السودان لجنوب السودان هو أن يلتفت لحاله ويصلح من شأنه.. يوقف حروبه ويوطد السلام في أركانه.. ويظل العنوان العريض لحديث الدرديري.. أن لا شماتة.. أما دكتور محمد يوسف أحمد المصطفي فقد أكد أن خير من يمكن أن يلعب دورا لدعم جنوب السودان هم أعضاء الحركة الشعبية في شمال السودان.. ولكن ود يوسف اشترط أن يزيح هؤلاء ثقلا يحملونه على ظهورهم.. وهو مسؤوليتهم في انفصال جنوب السودان.. وقال يجب على هؤلاء أن يقدموا تفسيرا للشعب السوداني عن سبب الانفصال.. غض النظر عن مسؤولية المؤتمر الوطني في ذلك.. وأن يقدموا اعتذارا عن دورهم في ذلك.. ليكونوا بعد ذلك محل ثقة الشعب.. وأهلا لطرح مبادرة احتواء أزمة الجنوب ..!
أخيرا.. فقد كان لافتا الحضور المميز لسودان الجنوب في الندوة.. تفاعلا وانفعالا.. أما المفاجأة التي لم تعلن.. ولن.. فهي حضور شقيق مسؤول سياسي جنوبي كبير أثار جدلا واسعا مؤخرا في جوبا.. لم ينته بعد ولن تنتهي آثاره قريبا.. أما الشقيق فقد آثر الحضور بهدوء وغادر في هدوء..!