سهير عبد الرحيم : وطن للإيجار
كنت أعرف – كما يعرف الكثيرون من المواطنين – أن المحليات داخل ولاية الخرطوم تقوم بإيجار الكثير من المعدات والاحتياجات للمواطنين؛ وذلك مثل إيجار الكراسي لستات الشاي، وإيجار الدرداقات للأطفال، كما تقوم أيضاً بإيجار الحمامات في الأسواق، ولكن الجديد كلياً والذي لم أكن أعرفه إيجار للنوم.. في الحقيقة دي جديدة علي.. نعم ….إيجار للنوم الواحد ده.. ويتم ذلك بإيجار سراير في السوق المركزي وحول الميناء البري للنوم، ويختلف السعر حسب فترة استعمال السرير.
بمعنى أن الاستعمال الطويل يختلف سعره عن الاستعمال اليومي، ويختلف سعره عن تزويد السرير نفسه بمعينات النوم من مخدة ومرتبة وفرش وبطانية. وبما أن سعر إيجار الحمامات يختلف حسب نوعية استعمال الحمام، حيث أن سعر التبول يختلف عن سعر التغوط أو الاستحمام؛ لذلك فإنني أتوقع إذا استمرت مسألة التفصيل والتدقيق في الإيجارات للاحتياجات الطبيعية للإنسان أن يتم فرض ضريبة إضافية على النوم إذا كان معه(حلمة)، على أن تكون هناك شفافية، ويتم خصم من السعر إذا كان(الحلم مزعجاً) أو كابوساً، يعني سعر إيجار السرير للنوم براهو والنوم ومعاه حلمه براهو. أجل.. كل شيء في هذا الوطن متوقع، وكل حدث غريب أصبح جائزاً، وكل شيء مدفوع القيمة، حتى قضاء الحاجة والنوم، يعني أي خدمة تقدمها الدولة للمواطن يجب أن يدفع مقابلاً لها.!!!.
ويا ريت لو كانت خدمة ممتازة؛ فالشاهد أن الحمامات في الأسواق لا تستطيع الاقتراب منها إلا بعد وضع كمامات وارتداء ملابس عازلة مثل ملابس إطفاء الحريق.. قذارة ونتانة وطفح للصرف الصحي و روائح كريهة تنبعث حتى من المنضدة التي تدفع عندها النقود لاستعمال تلك الحمامات.
أيضاً السراير والتي تؤجر في العراء ومن ينام عليها عرضة لحوادث الطريق المختلفة إن لم تكن عرضة لهجوم جيوش الذباب والبعوض من حوله.. ترى ما الذي تبقى في الوطن لم يتم تأجيره!!.
قبل فترة كان رجال المرور يقومون بحملات مكثفة على أصحاب الأمجادات الذين يمرون بشارع السوق الشعبي الخرطوم؛ فإذا توقف أحدهم لينزل راكبٌ أو يصعد راكبٌ يقومون بفرض ضريبة عليه جراء وقوفه، وقد شكا لي عدد من أصحاب الأمجادات من تلك الظاهرة، فغرامة(وقفت ليه) دي بالغوا فيها ناس المرور.
إني على ثقة أن قريحة المحليات وتبعاتها ستجود بالكثير من الأفكار لإيجار أي شيء، وكل شيء للمواطن.
خارج السور:
لم أشاهد؛ في أي بلد زرته؛ منظراً لأحدهم وهو يتبول على قارعة الطريق، ولم أشاهد في أي مدينة عبارة (ممنوع البول هنا) إلا عندنا في السودان. إذا كان (البول) و(النوم) بمقابل مادي، فمن الطبيعي أن تصبح شوارع الأسفلت (تواليت للفقراء).