تحقيقات وتقارير

تخلصت من أدوية تالفة قيمتها 3 ملايين جنيه الإمدادت الطبية.. ما بين (إبادة) الأموال و(إنقاذ) الأرواح

مدير الإمدادات: هل نخسر قيمة الدواء أم الأرواح؟
دكتور ياسر ميرغني: على الإمدادات الطبية الابتعاد عن منافسة القطاع الخاص

رئيس اتحاد الصيادلة: إذا صحت المعلومة فهذا يعكس سوءاً في إدارة المخزون
مدير صندوق الدواء الدائري: لابد أن يكون لصندوق الإمدادات مبرراته

على ذمة الأستاذ الفاتح جبرا في زاويته المقروءة (ساخر سبيل) وبناء على اتصال هاتفي من أحد أصدقائه من داخل الصندوق القومي للإمدادات الطبية، فقد كشف عن وجود كميات كبيرة تقدر بمليارات الجنيهات من العقار المحقون الـ(سفترايكسون) انتهت صلاحيته ويفترض إبادته ولكن لم يحدث مع العلم أن العقار المقصود عبارة عن مضاد حيوي كثير الاستهلاك مما يعني أن الدواء لم يذهب لمنافذ التوزيع حتى انتهت صلاحيته بمخازن الإمدادات، ليس ذلك فحسب، بل أن الإمدادات درجت على إبادة كميات ضخمة من الأدوية مثل الـ”أمبكلوكس” الذي أبيدت كميات منه بحوالي 9 ملايين جنيه (1.3) مليون دولار.

تبرير
ورغم أن الإمدادات تبرر استيرادها للأدوية المنقذه للحياة بأسعار لا تتوفر في صيدليات القطاع الخاص إلا أن إبادة كميات بالمبلغ المذكور يخلِّف أسئلة مهمة عن كيف تستورد الإمدادات أدويتها؟ هل وفق خارطة طريق للحاجة الفعلية لها أم خبط عشواء؟ ولماذا لا تتخذ إجراءات وقائية قبل انهاء صلاحية أي عقار؟ وهل نظام الصندوق القومي للإمدادات يحرم عليه توزيع أدويته الفائضة عن منافذه على صيدليات القطاع الخاص بدلاً عن حجزها في مخازنه؟

إذا صحت المعلومة
رئيس اتحاد الصيادلة دكتور صلاح إبراهيم طرحنا عليه أسئلتنا، ولكنه لم يكن متأكداً من صحة المعلومة أو ما إذا كانت (كلام جرايد) حسب تعبيره ومن ثم طلب منا الحرص على كتابة (إذا صحت المعلومة) ثم استطرد بقوله بأنهم كاتحاد صيادلة غير مطلعين على تفاصيل القضية، ولكن (إذا حصل) فيجب أن تكون هناك مساءلة، وأردف: (لكن ما بقدر أجزم بصحة الكلام ده لأنه مرات بكون فيهو إثارة بعد نتأكد الناس ممكن تعلق). وعندما ألححت عليه في التعليق مع وعد بالالتزام بموجهات حديثه قال:(إذا حصل هذا يسمى سوء في إدارة (مراقبة المخزون) إذ لابد أن يكون هناك تنبيه عن الأدوية قبل انتهاء صلاحيتها كإجراءات وقائية فإذا حدث فإن هذا يعتبر مشكلة).

سياسة التنبيه
قلت لدكتور صلاح إن الإمدادات دائماً تبرر استيرادها لأدوية غير متوفرة بالصيدليات بالأسعار المتوفرة لديها وهي في الغالب أدوية (منقذة للحياة) ومن الأفضل أن تفيض حتى لو أبيدت بدلاً عن حدوث نقص فيها؟ فعلق بأن المبرر غير مقبول فإذا أبيد قرش واحد فهذا إهدار للمال العام لأن النقود التي تم شراء الدواء بها تخص الشعب السوداني وليست أموالاً خاصة، ومن ثم لابد للإمدادات أن توفر مخزوناً حسب حاجة البلد والجهات التي تطلب الدواء وتوزعه بناء على ذلك. ويردف محدثي: إذا أبادت الإمدادات أدوية بهذا المبلغ فهذا يعني أنها لا تعلم حاجة البلد، وفي إدارة المخزون هناك ما يسمى بـ(سياسة التنبيه) فقبل سنة من انتهاء الصلاحية يجب عليها أن تنبه لوجود كميات من الأدوية أوشكت صلاحيتها على الانتهاء وحتى الشركات والصيدليات الصغيرة تفعل ذلك فتنزل الدواء المعني وتشتغل عليه حتى لا تخسر فما بالك بمؤسسة كبيرة مثل الإمدادات؟) .

الشراء الموحد
ويمضي دكتور صلاح في حديثه مشيراً الى أنه مؤخراً اتبعت الإمدادات سياسة الشراء الموحد فكل المؤسسات الكبيرة مثل الدواء الدائري والسلاح الطبي والشرطة.. الخ تأخذ حاجتها من الإمدادات ومن ثم قد تكون بعض تلك الجهات طلبت كميات من الأدوية ولم تقم بشرائها فاستوردت الإمدادات على تقديرات غير صحيحة ولم تستطع التصرف فيها، ولكن كان على الإمدادات إلزام تلك الجهات باستلام الكميات التي طلبتها، فالدواء الدائري مثلاً لديه منافذ وشبكة شراء إلكتروني كما كان بوسع الإمدادات تصريف أدويته لدى الصيدليات الخاصة حسب دكتور صلاح الذي أكد على أن تصريحه هذا يعتمد على (ما إذا) كان ما ورد من أخبار صحيحاً.

فلنبحث عن السبب
أما مدير صندوق الدواء الدائري دكتور حسن بشير الذي لم يجزم هو الآخر بصحة ما ورد، فقد كان أكثر مرونة في التعاطي مع الأمر، فقال إنه إذا حدث ذلك فقد تكون لدى الإمدادات مبرراتها المقبولة أو قد تكون ليها أسباب موضوعية مثلاً كأن تكون قد استوردت أدوية ولم تستطع استخدامها أو إعادتها لمصدرها الأول وزاد بأن أن صيادلة الإمدادات الطبية (قُدام) ولديهم خبرة كافية ومعرفة بمراقبة المخزون مستبعداً أن تكون صلاحية الأدوية قد انتهت نتيجة لإهمال ولكنه جزم بأن لديها مبررات قوية، واتفق دكتور حسن مع رئيس اتحاد الصيادلة بأن أي جهة إذا طلبت من الإمدادات أدوية ينبغي على الإمدادات إلزامها بأخذها ثم عاد وأكد بأنه ليس متأكداً من صحة المعلومة.

لماذا؟
الخبير الصيدلاني المثير للجدل الدكتور ياسر ميرغني الذي اشتهر بتصريحاته النارية عبر منتدى حماية المستهلك لدرجة اعتقاله من قبل السلطات له رأي مختلف إذ يقول: (أن تكون الإبادة للأدوية المنقذة للحياة والأمصال وأدوية الطوارئ والحوادث فهذا أمر مقبول أما أن تكون الإبادة للمضادات الحيوية والأدوية الأساسية فهذا يوضح أن هنالك خللاً في طريقة تحديد الكميات ويجب محاسبة المسؤول عن الشراء والتعاقد لعدم المتابعة الدقيقة وعلى الإمدادات الطبية أن تهتم بأدوية الطوارئ والأمصال واللقاحات والأدوية المنقذة للحياة لأن هذا هو صميم عملها)، ويتساءل دكتور ياسر: لماذا تُباد أدوية موجودة في الشركات الخاصة والصيدليات الخاصة؟ يجب على الإمدادات الطبية الاهتمام بالأدوية النادرة والتي تكون مطلوبة للمستشفيات والحوادث وعليها الابتعاد عن أدوية القطاع الخاص ومنافسته.

الإمدادات تترافع
كان لابد أن نتأكد من صحة ما ورد ومبررات إبادة أدوية بذلك الحجم من الصندوق القومي للإمدادات الطبية ومن ثم فقد اتصلنا بالمدير دكتور جمال خلف الله وطلبنا منه تعليقاً على ما ورد بخصوص الـ(سترايكسون) الذي انتهت صلاحيته ولم يبد؟ وهل صحيح أن الإمدادات أبادت قبل فترة أمبكلوكس بحوالي 9 ملايين جنيه؟ فأجاب: (من يعمل بالدواء يعلم أن بعض الأدوية حتماً تنتهي صلاحيتها قبل نفادها ومن ثم لابد أن تباد وليس ذلك عيباً وفي صفحة الإمدادات الطبية ستجدين الأدوية التي انتهت صلاحيتها موجودة وموضحة برسم بياني في 2010 كان حجمها 7% من جملة الأدوية ونقصت بعد ذلك حتى أصبحت الآن 1% والحد الأدنى المتعارف عليه دولياً 3% بمعنى أننا أبدنا أقل من الحد الأدنى الدولي).

فجوات
ولكن لماذا نضطر للإبادة بدلاً عن الاستيراد حسب الحاجة؟ الإجابة حسب دكتور جمال لأن الدواء سلعة متعلقة بحياة الناس وهذا يعني أنه يجب توفيره على مدار الساعة، وهذا يعني توفير كميات معقولة حتى لا تحدث فجوات لأن استيراد الدواء ليس بالأمر السريع فإذا طلبنا دواء من المصدر فإنه يأخذ على أقل تقدير من ستة إلى عشرة شهور حتى يكون في مخازننا لأنه عندما نطلب من الخارج وتتم الموافقة من قبل المصدر ثم يقوم بشراء المواد الخام ويصنعه ثم يقوم بشحنه لنستلمه ونضعه في مخازننا، فالمسافة الزمنية طويلة وبالتالي لابد أن نحرص على كميات معقولة .

الاستيراد وشروطه
ويمضي دكتور جمال مشيراً الى أن الاستيراد يعتمد على الاستهلاك وهنالك عوامل كثيرة تتحكم في هذا الاستهلاك وفي كل عام تبيد الإمدادات دواء ويتم رصده في صفحتها الألكترونية، وزاد: (يعني ما في حاجة خايفين منها) ويتحكم في الاستهلاك ممارسة وصف الأدوية في البلد المعين هل تغيرت أم لم تتغير فمرة استوردنا دواء لدكتور اختصاصي سرطان أطفال وبعد عام اغترب ذلك الاختصاصي وبعده لم يعد هناك طبيب يصف ذلك الدواء فتلفت كلها.

الإمدادات والخسارة
حسب فهمنا المتواضع نتساءل: لماذا لا تلزم الجهة التي طلبت الدواء بشرائه بدلاً عن أن تتحمل الإمدادات الخسارة؟ ويجيب دكتور جمال: هذا ما حدث معنا فالدواء المعين يتوقف الأطباء عن وصفه أو يأتي مثيل له من دولة أخرى بسعر أقل منه، فالدواء التي ذكرتيه قام بإيقافه مجلس الأدوية والسموم لأن فعاليته قلّت، وقال: لا يصنّع ولا يستورد، وكانت لدينا كميات كبيرة، الدواء كان في قائمة التأمين الصحي بمعنى أنهم طلبوه فأخذوا منه 3700 تقريباً ولم يأخذوا بقية الكمية التي طلبوها لأنه أصبح لا يعالج ليس لأنه سيئ ولكن لأن الميكروب نفسه أصبح لا يتعالج به حسب مجلس الأدوية والسموم فأوقف من جميع الشركات وليس الإمدادات فقط، نحن كنا قد طلبنا من الشركة 24 مليوناً أخذنا منها 17 مليوناً ورفضنا استلام البقية) .

تشاركية الخسارة
إذن من يتحمل الخسارة؟ يفيدنا مدير الصندوق القومي للإمدادات بقوله: (الشركة خسرت ونحن خسرنا ويفترض ألا تتجاوز الخسارة نسبة 5% وهذه هي القاعدة التي تعمل بها المنظمات فإذا تجاوزتها فيفترض أن تكون هناك محاسبة، ولكن أقل من ذلك أمر طبيعي فهناك أدوية نشتريها ونبيدها لأن المرض لم يأت، أما الأمبكلوكس فقد أصبح غير فعال وهذه مشكلتنا نحن مع الجهة التي طلبته لأنه لا ذنب لها فنحن كموردين لابد أن نتحمل النتيجة وهذا مرصود في صفحتنا).

سألت دكتور جمال: (لماذا لا تهتم الإمدادات باستيراد الأدوية المنقذة للحياة ولا تنافس القطاع الخاص في بقية الأدوية وهي متوفرة في الصيدليات بمعنى أن إبادة أدوية منقذة للحياة مقبول ولكن غير مقبول إبادة مضادات حيوية؟ فأجاب بأن الإمدادات تشتري للحكومة، هذا الدواء إن اشتريته من شركة سودانية بعد الفوز بالعطاء وبنص القانون يفترض أن أشتري للمؤسسات الصحية التابعة للدولة (السلاح الطبي، الشرطة، جهاز الأمن، الـ18 ولاية والتأمين الصحي).

توحيد الجودة
ويمضي الرجل في حديثه قائلاً: قد يتساءل البعض لماذا لا تشتري تلك المؤسسات احتياجاتها بنفسها؟، فأقول إن الدولة اتبعت سياسة توحيد الجودة في كل مؤسساتها بأسعار معقولة والناس الذين وفروا ذلك الدواء لكل مؤسسات الدولة وفروا على الخزينة العامة 12 مليون يورو وليس 2 مليون جنيه انتهت صلاحيتها، وهذا عطاء نفذناه في 15 مارس 2013م، ذات الناس اشتروا أنسولين السكري من أحسن شركة تورد الأنسولين في العالم وهي شركة دنماركية وبأقل سعر في الكرة الأرضية، الآن سعره بـ40 جنيهاً في الإمدادات بعد أن كان بـ68 وهذا السعر سيكون ثابتاً لخمس سنوات قادمات.

خسارة
السؤال الذي تهمنا إجابته: كم قيمة الدواء الذي انتهت صلاحيته؟ ذلك السؤال الذي طرحناه على دكتور جمال خلف الله فجاءت إجابته: نحن استوردنا الدواء بكميات كبيرة قبل قرار الحظر وكما قلت طلبنا 24 مليون كبسولة استلمنا منها 17 وعندما جاء قرار الحظر هم تحملوا خسارة 7ملايين كبسولة تلفت عندهم ونحن تحملنا خسارة 5 ملايين تلفت عندنا وبقية الدواء استخدم قبل قرار الحظر وتبلغ قيمته 2 مليون جنيه وتمثل أقل من 1% وتبلغ قيمة السترايكسون والأمبكلوكس مجتمعتين حوالي 3ملايين جنيه من جملة مخزوننا من الأدوية خلال الستة شهور الماضية والذي يبلغ 450 مليون جنيه وهي ليست مشكلة بالنسبة لنا مقارنة مع القيمة الكلية).

دهشة وتوضيح
دهشت لإجابة دكتور جمال فنحن كبلد اقتصاده منهار هذا المبلغ الذي تتم إبادته خرافي بالنسبة لنا وكان أولى استخدامه في شأن آخر مهم؟، فيدهش دكتور جمال كذلك لدهشتنا ويفيدنا بأنه ما دمنا نعمل في قطاع الإمداد الدوائي فلابد أن يحدث ذلك (ما انتو برضو ما بتقبلو يقولو ليكم الدواء ده قاطع) لأنكم تريدون استمرارية الدواء ومن ثم لابد أن يتلف بعض الدواء وتنتهي صلاحية بعضه فنحن بين نارين أن يقطع الدواء أو نوفره بكميات معقولة فيتلف بعضه وهذه ممارسة عادية ومنظمة الصحة العالمية قالت بذلك ونزلت كتباً تبين كيفية إبادة الدواء إذا انتهت صلاحيته وفي ميزانيتنا نكتب أن ميزانية بعض الدواء قد تكون هالكة فالإمدادات مثلها مثل أي صيدلية أو دكان أو أي كيان يعمل في السوق عندما تنتهي صلاحيتها تتم إبادتها.

أين إداة المخزون
قلت لمدير الإمدادات إن هناك ادارة تسمى بإدارة المخزون وسياسة التنبيه قبل انتهاء صلاحية أي دواء فإين هي من ذلك ولماذا لا تقومون بتوزيع الأدوية على المستشفيات أو الصيدليات الخاصة قبل سنة من انتهاء صلاحيتها؟ فأفاد بأن كل ذلك موجود لديهم (ولكن إذا المجلس القومي للأدوية والسموم قال لينا الدواء ده أصبح غير فعال وما في زول يجيبو للحكومة او القطاع الخاص نوزعو ليكم؟ والسياسة دي نحن العملناها الكان عارفا منو؟ نحن عملنا لجنة ثابتة في الإمدادات كل ستة شهور تراقب مخزون الأدوية أكثر من 1500 صنف وترصد حجم إستهلاكها وكم شهر يكفي المخزون الموجود كل دواء على حدة حسب تاريخ صلاحيته فإذا تبقى له 9شهور يخفضون سعره فإذا تبقى له 6 شهور يخفضونه للحد الأدنى فإذا 3شهور يوزع مجاناً للمؤسسات الحكومية ليستفيد منه أكبر قدر من الناس (لكن إذا قالو ليك الدواء ده ما فعال وممنوع لأنه ما بعالج تقول عشان ما تنتهي صلاحيتو أوزعو للناس مجانا ولا بالقروش؟ إضافة لذلك هناك أدوية عملوا ليها إجراء ووزعوا كميات كبيرة منها حتى لا تنتهي صلاحيتها ونحن في الإمدادات خفضنا انتهاء صلاحية الأدوية للحد الأدنى، والدواء عندما تنتهي صلاحيته نبعده من المخزون والإبادة لديها إجراءات فلابد أن نذهب لناس البيئة وناس الأمن فهناك لجنة إبادة كبيرة تقوم بإجراءات الإبادة.

أخيراً
لابد أن نتساءل عما إذا كانت الجهات التي اخذت الدواء من الإمدادات ستوزعه رغم انتهاء صلاحيته؟.. دكتور جمال نفى ذلك وقال ان المواطن يأخذ الدواء من صيدلي وليس من مخزننا والصيدلي عنده ختم فإذا وزع دواء منتهي الصلاحية والمواطن اشتكى سيسجن فلا الصيدلي سيوزع دواء منتهياً ولا المواطن سيأخذه.

تحقيق: هويدا حمزة
صحيفة الصيحة