شمائل النور : شاهد عصر أم قاتل رحيم.!!
حبست قناة الجزيرة القطرية أنفاس قطاع واسع من السودانيين؛ حينما بدأت بث ترويج حلقات برنامجها (شاهد على العصر) مع مؤسس الحركة الإسلامية السودانية حسن الترابي بعد وفاته مباشرة، حينها، ثار جدل متطاول حول صحة طلب الترابي بعدم بث الحلقات إلا بعد وفاته، لكن الغالب في الروايات أن الترابي لم يطلب ذلك، بل كان يتساءل كثيراً عن أسباب إمساك القناة عن بث الحلقات، وهنا يبرز السؤال الأهم والذي لم يجد نصيبه من النقاش، لأن الجميع انشغل بالشهادة ذاتها، لماذا قررت القناة القطرية بث الحلقات الآن؟
وهذا سؤال الإجابة عنه ستأتي في وقتها. صحيح، أن كل الشهادة لم يكن فيها جديد إن لم تكن قد تعرضت لعملية (مونتاج) سُحب بموجبها أجزاء من الشهادة، باستثناء أنه سمّى الأشخاص الذين تورطوا في محاولة اغتيال الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، عطفاً على مبلغ تمويل العملية، خلاف ذلك، كله حديث مبذول في الندوات السياسية والتصريحات الإعلامية.
الصورة الذهنية المرسومة لعرّاب الحركة الإسلامية ذابت تماماً في حلقات قناة الجزيرة، الترابي في شهادته على العصر، بدا كأنه مراقب للعصر، وليس صانعه أو أحد أهم صُنّاعه، الشيخ صاحب الكاريزما الهائلة؛ بدا كأنه زعيم بلا زعامة، رمى كل حمل المسؤولية على كاهل تلاميذه، كل كوارث (الصغار) دُبرت بليل من ورائه، وكان (الكبير) آخر من يعلم، ليس بدءاً بمقولته المحفورة (الفساد انتشر تحت سمعي وبصري وعجزي) ولا انتهاء بمحاولة اغتيال مبارك الفاشلة التي ثار حولها جدل كثيف، وهذا أمر فيه استخفاف بالعقول.
لكن الترابي بشهادته هذه، قبر مشروعه الذي وصل به إلى السلطة في استديوهات قناة الجزيرة، لم يكلفه ذلك شيئاً سوى إطلاق الرصاص في كل الاتجاهات، لم يجد الشيخ الذي انقلب عليه تلاميذه حسنة واحدة لمشروعه الذي ملأ الدنيا ضجيجاً، ولا يزال الناس يتجرعون مرارات أثره الاجتماعي والسياسي والاقتصادي. التنظيم الذي وصل إلى السلطة في وقت يُطارد ويُعتقل فيه (الإخوان) في البلدان الأخرى، أثبت شيخه ودون كثير محاججات أن لا مشروع له ولا فكرة ولا يحزنون، تماماً، صوّر المشهد وكأنه مجموعة شريرة خرجت عن القانون، لتهدم كل شيء وتُقصي كل ماهو لا يتفق معها، وتُسيطر على كل شيء.
المشروع الذي ترنح منذ سنوات ولم يجد أصحابه ما يُمكن أن يطلقوا عليه إنجاز، بل زهدوا حتى في الاحتفال بذكرى الوصول إلى السلطة، أطلق عليه شيخه رصاصة رحمة كان بحاجة إليها، فنعاه وقرأ عليه الفاتحة ثم دفنه غير(مستور).