كمال عوض : قبل أن تتحول جوبا لمدينة أشباح!!
> في الساعة السادسة صباح التاسع من يناير 2005م شهد مطار الخرطوم الدولي حركة مسافرين غير عادية. كنا ضمن وفد إعلامي فني للمشاركة في حفل التوقيع، ولكن لظروف إجرائية تم تحويل المهمة إلى تغطية الاحتفالات في جوبا. > يومها كانت مدينة «نيفاشا» الكينية تتأهب لإنهاء أطول حروب القارة الافريقية بتوقيع اتفاق سلام دار حوله لغط كثيف في السنوات الماضية حتى أفضى لانفصال الجنوب في عام 2011م بعد استفتاء صوت فيه الجنوبيون بنسبة تقارب 99 ٪ لصالح تكوين دولتهم الجديدة. > خطف الفنان محمد الأمين والراحل خليل اسماعيل الأضواء وتزاحم المسافرون حولهم لالتقاط الصور التذكارية والتوقيعات وخلقوا أجواء رائعة دعمها ابناء الجنوب بأناشيد داخل الطائرة ونظراتهم تشع بالأمل وتحلم بمستقبل سعيد. > وطئت أقدامنا أرضية مطار جوبا. حينها كانت أجواء يناير الباردة تسيطر على الشمال، بينما وصلت درجة الحرارة في بعض مدن الجنوب إلى (45) درجة مئوية. أمطار غزيرة سبقت قدومنا، ربما هطلت فجراً وتركت آثارها علي طرقات وأشجار المدينة. > شوارع جوبا تزيأت باللافتات والورود لاستقبال كرنفالات الفرح والاحتفال بتحقيق السلام. وأغلقت الأسواق أبوابها وذهب التجار والمواطنين صوب ميدان (البلك) .. كان احتفالاً ضخماً بالسلام القى فيه المشير عمر البشير رئيس الجمهورية خطاباً شهيراً تناقلته وسائل الإعلام المحلية والعالمية. > وعلي ضفاف بحر الجبل تلاقت وفود المستثمرين لانشاء المشروعات بعد سماعهم بقرب عودة الأمن، وتنافس رجال الأعمال في تقديم مقترحاتهم لبناء ميناء جوبا النهري وفنادق سياحية ومشروع أسماك بحيرة تركاكا. كل ذلك كان بدعم ومباركة من الحكومة المركزية في الخرطوم. > في تلك الأيام انتعشت الحركة في موقف ياي وزادت القوة الشرائية بسوق كونج كونج والسوق الكبير، وانسابت البضائع بسهولة ويسر عبر الموانئ البرية والبحرية والجوية. > ولكن بعد أن اختار أبناء الجنوب الانفصال تحولت جوبا إلى «مدينة أشباح» بفعل السياسات الخاطئة التي انتهجتها حكومة الدولة الوليدة. وانتشر الرعب والسلاح في عمق وأطراف المدينة الوادعة ثم انتقل إلى بقية مدن وولايات دولة جنوب السودان، واشتعلت الحرب التي قضت على الأخضر واليابس. > أجهض سلفا كير ورياك مشار أحلاماً غضة داعبت الأجيال الجديدة ببناء دولة قوية وكذب الواقع المشروعات والاستثمارات المتوهمة. واختفت النظرات المشعة بالأمل وحل محلها الخوف من مصير مجهول. > بفعل الأطماع صار باقان أموم معارضاً وتسكع عرمان في عواصم الدول الغربية بحثاً عن حلف يعيد «أولاد قرنق» إلى واجهة الأحداث. وبسبب بسط السطوة والنفوذ ضربت الانشقاقات الجيش الشعبي وكثرت الاغتيالات لتبدأ رحلة العودة إلى الشمال من جديد في شكل هجرات ونزوح وفرار من واقع مخيف يبحث عن حلول لا تلوح بشرياتها في الأفق قريباً.