السودان وزامبيا ..(2)
> بالرغم من العلاقة التاريخية القوية والمتميزة بين السودان وزامبيا منذ وقت مبكر قبل استقلالها عام 1964 ، حيث كان السودان من أهم وأكبر داعمي حركة التحرر الوطنية الزامبية بقيادة د. كينيث كاوندا ، إلا أن العلاقة مرت في فترة الثمانينيات حتي مطلع عقد التسعينات من القرن الماضي ، بمنعرج ساء فيه التفاهم بين الخرطوم ولوساكا ، بسبب دعم الأخيرة لحركة التمرد بقيادة جون قرنق ، وكان السبب الرئيس أن الزامبيين بعيد الاستقلال في بلدهم كأول دولة تستقل عن المستعمر في منطقة الجنوب الإفريقي ، ولعبوا الدور الأكبر في تحريض ودعم شعوب المنطقة في كفاحها من أجل التحرر والانعتاق، وساندوا كل حركات النضال الإفريقية وكانت لديهم إذاعات موجهة لهذه البلدان وتملكتهم روح الثورة ضد الظلم، وظن كثير من قادتهم خاصة الرئيس الأول لزامبيا كنيث كاوندا أن حركة التمرد في جنوب السودان هي حركة ضد مستعمرين في الشمال ، وأسهمت الدعاية السياسية لحركة قرنق وبعض حلفائها في الغرب في تشويش الصورة لدى زامبيا، وعندما صححت الصورة والمعلومات تم التحول الى علاقة جيدة ومتينة بالخرطوم ولم تقطع مع الجنوبيين وحضر رئيس زامبيا الأسبق في يوليو 2011 احتفال إعلان انفصال جنوب السودن في جوبا . > وكان لتبادل الزيارات بين كبار المسؤولين في البلدين بعد مجيء ثورة الإنقاذ، الأثر الكبير والفعال في تنامي العلاقات ، وزار الرئيس عمر البشير لوساكا في يناير 1992 أعقبها مباشرة بعد شهر واحد في فبراير 1992زيارة للرئيس الزامبي الراحل فريدريك شيلوبا، وتعدد الزيارات وتبولدت بين المسؤولين في البلدين ، وفي العام 1997 زار الرئيس البشير زامبيا مترئسا ًلوفد كبير تعزيزاً للتعاون المشترك ، وتوجد عدد من الاتفاقيات في مختلف المجالات بين البلدين . ولعل أبرز وجوه التعاون في العلاقات السياسية هي قيام مجلس الأحزاب السياسية الإفريقية وهو نتاج وثمرة الحوار بين المؤتمر الوطني والحزب الحاكم في زامبيا حيث نبعت الفكرة وتم طرح المبادرة التي تضم الآن الأحزاب السياسية الإفريقية الحاكمة والمعارضة او الممثلة في البرلمانات في بلدانها، ولعل قيام مجلس الأحزاب السياسية الإفريقية يمثل ذروة التفاهم وتطابق الأفكار بين السودان وزامبيا من أجل نهضة إفريقيا وبلورة وحدتها وقوة إرادتها السياسية . > راهن العلاقة بين البلدين اليوم يسوده التفاهم والتعاون الكبير، ووجه الرئيس البشير مؤخراً دعوة للرئيس الزامبي (أدجار شاقو لونغو) الذي يخوض معركة انتخابية شرسة ستحسم اليوم عبر صناديق الاقتراع ، دعوة لزيارة السودان وقد تتم قريبا ًفي حال فوز الرئيس أدجار، وتلتزم زامبيا بالموقف الإفريقي الموحد ضد المحكمة الجنائية الدولية وتدعم موقف السودان وتدعو باستمرار لرفع العقوبات الاقتصادية الأحادية الأمريكية عنه، وللسودان سفارة في لوساكا وهي بلد تمثيل دبلوماسي ضخم لوجود رئاسة منظمة الكوميسا وعدد من المنظمات الإقليمية وبها مقرات عدد من وكالات الأمم المتحدة الإقليمية لكل الجزء الجنوبي من قارتنا السمراء ، وتمثل العاصمة لوساكا بؤرة نشاط سياسي وإقليمي ودولي مستمر تستقبل وتستضيف الكثير جدا ًمن المؤتمرات الدولية والإفريقية. > وتعتبر التجربة الزامبية في النهضة والتطور في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية وسرعة النمو من التجارب المهمة جداً في القارة الإفريقية ، وتعتبرها تقارير اقتصادية دولية تصدر من الأمم المتحدة والبنك وصندوق النقد الدوليين من الدول التي أحرزت تقدمها في مجال التنمية الريفية وتطوير المجتمعات المحلية وتعزيز فرص النمو للقطاعات الفقيرة وتوفير الخدمات، وزاد على ذلك إنها محور مهم من محاور جذب الاستثمارات والمستثمرين في جنوب القارة بفضل التعليم الجيد والاستقرار السياسي وجودة القوانين والطمأنينة الأمنية التي يحتاجها الزائر والمستثمر والسائح ، وأصبح الاستقرار والأمن عاملين أساسيين في زيادة الدخل القومي من الاستثمار بعد أن كانت الدولة تعتمد على صادرات النحاس فقط وهي ثاني دولة في العالم تنتج النحاس ، ومن أهم معالم نجاح التجربة الزامبية في المجال الاقتصادي أن شعبها يعتمد في غذائه فقط على الذرة الشامية التي ينتجها من أرضه فهي تنتج 750 ألف طن سنوياً تصنع منها الوجبة الرئيسة (العصيدة). > ولعل هذه التجربة الناجحة في مسارات البناء والنهضة والاستقرار السياسي ، تجعل منها جهدا ًإفريقياً يستحق الدراسة والاقتباس لنجاح هذا البلد الإفريقي في صنع حاضره ويتأهب بقوة نحو المستقبل عبر خطة إستراتيجية وضعت لزامبيا في العام 2060 .. نواصل…