عثمان ميرغني

عقدة..(في الليلة ديك).!!


بكل صراحة هناك عقدة (نفسية) حقيقية تواجه الفرقاء في الوصول إلى تسوية سياسية في السودان.. تخيلوا معي (في الليلة ديك.. والناس تشارك فرحتك) يوم توقيع اتفاق السلام النهائي والتراضي الوطني بين كل اللاعبين السياسيين.. يوم القبلات والدموع (دموع الفرح).. والأناشيد والزغاريد..
في تلك اللحظة التاريخية؛ ستظهر من خلف دموع الفرح.. دموع أخرى حرى تبكي أعزاء اقتاتت بهم نيران الحروب الضروس في المناطق الثلاث.. حينها سيسأل الضمير الوطني بعد الوصول إلى السلام بكل براءة.. فيما كنتم تقتتلون؟
ليس مهماً (كيف توصلتم إلى اتفاق) وعلى أية صفحة تصافحتم .. فالأهم أنكم وصلتم إلى السلام.. ولكن فيما كنتم أصلاً تقتتلون؟؟
صدقوني هذا السؤال هو الذي يخشاه الجميع الآن.. ولهذا يماطلون ويختلفون ويتشاكسون ويختلقون العقبات المريرة .. لإعطاء المفاوضات (الوزن) الذي يبرر (وزن) الجريمة التي ارتكبت في حق شعب السودان طوال سنوات الحرب الأهلية العبثية.. لأن (عقدة الذنب) ستظل تلازم الجميع وتسألهم؛ (الموؤدة بأي ذنب قتلت)؟
صدقوني هنا مربط الفرس الذي يعوق المفاوضات ويشد شعر المشاركين فيها.. إحساسهم الباطن في أعماق نفوسهم أنهم في حاجة ماسة لتبرير حيثيات الخسائر الباهظة التي دفعها شعب السودان.. ليس في ما فاته من مصالح فحسب.. بل في ما سكبه وأهدره من دماء غالية في حرب أهلية بلا طائل..
لهذا؛ ولهذا فقط.. ليت أول قرار يتخذه السادة المتفاوضون بعد أن يمن الله عليهم بنعمة السلام.. أن يرفعوا أيديهم ويلوحوا لشعب السودان بالوداع.. ثم يرتاحوا ويخلوا خشبة المسرح للاعبين جدد لا يعانون من عقدة الحرب والسلام..
بالله عليكم لو منحوا كل رجل وامرأة في دارفور وزنه ذهباً هل يعوضه ذلك عن سنوات المعسكرات والتشرد والرهق الدامي.. مهما كانت الشروط والمكاسب التي يحصل عليها أي طرف محارب في دارفور أو المنطقتين.. هل تساوي المكاسب ما خسرناه بشرياً واجتماعياً.. ثم اقتصادياً في هذه المناطق؟؟ هنا مربط الفرس الذي يؤجل لحظة الفرح بالسلام الآتي لا محالة.. الخوف من لحظة جرد الحساب ليعرف الشعب السوداني كم فقد من أرواح مقابل كم حصل من مكاسب من كل هذه الحروب الدامية..
هي (عقدة نفسية) ستلازمنا جميعاً.. وسنغني يوم الفرح بالسلام:-
في ﺍﻟﻠﻴﻠﺔ ﺩﻳك ﻻ ﻫﺎﻥ ﻋﻠﻲ
ﺃﺭﺿﻰ ﻭﺃﺳﺎﻣﺤك
ﻭﻻ ﻫﺎﻥ ﺃﻋتب عليك
ﺷلت ﺍﻟﺠﺮﺍﺡ ﻭﺍﻻﺑﺘﺴﺎﻣﺔ
ﻭﻛﻞ ﺣﺮﻣﺎﻥ ﺍﻟﻴﺘﺎﻣﻰ
ﺟيت ﺃﻫﻨﻴﻜ ﻭﺃﺻﺎﻓحك
ﺟيت ﺃﻗﻮﻝ ﻣﺒﺮﻭﻙ ﻋﻠيك..
ورجعت حابس أدمعي..