منى عبد الفتاح : خريطة الطريق السودانية… والبحث عن وجهة
مثّلت انطلاقة مؤتمر الحوار الوطني، حدثاً بارزاً في مسار التسوية السياسية في السودان. وورد في أهداف الحوار الموضوعة مسبقاً منذ أن دعا إليه الرئيس البشير قبل عام ونصف، أقل ما يمكن وصفها به أنّها للاستهلاك المحلي، وموجهة للمنضوين تحت لواء النظام. فماذا يعني في شريعة الإنقاذ، أهداف مثل التأسيس الدستوري والسياسي الذي ينشئ دولة عادلة وراشدة، أو التوافق على دستور وتشريعات تكفل الحرية والحقوق والعدالة الاجتماعية، أو حتى التوافق على قيام انتخابات عادلة ونزيهة تحت إشراف مفوضية مستقلة؟
وبينما تحججت الحكومة برفض القوى الخارجية وأكدت على ضرورة الحوار الداخلي، فإنّ المعارضة من جهة أخرى توجهت صوب هذا الخارج المرفوض المتمثل في لجنة الحكماء التابعة للاتحاد الأفريقي، مما صنع عقبة جديدة تُضاف إلى بقية العقبات في طريق الحوار.
كان الرئيس البشير مستعداً لتمزيق أية قرارات تصدر عن مجلس الأمن الدولي ومجلس السلم الأفريقي، تفرض عليه نقل الحوار الوطني إلى خارج السودان، أو تعمد إلى إزاحته عن رئاسة الحوار. وما كان من ثابو أمبيكي رئيس آلية الوساطة الأفريقية للنزاع في السودان، رئيس جنوب أفريقيا السابق بعد أن علم بإصرار الرئيس البشير على الاستمرار في مشروع الحوار بحضور المعارضة أو غيابها، إلّا أن طالب مجلس السلم والأمن الأفريقي، باتخاذ خطوات عاجلة لتسهيل وضمان وصول المساعدات الإنسانية للمتضررين من الحرب.
ستلتحق قوى المعارضة الأربعة المتمثلة في (حزب الأمة القومي بقيادة الصادق المهدي، والحركة الشعبية قطاع الشمال بقيادة مالك عقار، وحركة تحرير السودان بقيادة منّي أركو مناوي، وحركة العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم)، بالحوار بعد أن قامت بالتوقيع على اتفاقية خريطة الطريق في الثامن من أغسطس الجاري. وفي تبريرهم للتوقيع على خريطة الطريق بعد طول تعنّت هو أنّ التوقيع يعني الانتقال من مرحلة الحرب إلى مرحلة السلم، لتكون المرحلة المُقبلة الدخول في تفاصيل التحاق قوى المعارضة بالحوار الوطني من الداخل.
تنادت من قبل الحكومة والقوى السياسية المختلفة معاً إلى الحوار بنية توافر شروطه على الالتزام بمستحقاته وفق إجراءات وخريطة طريق واضحة، وجو سياسي صحي يضمن حرية التعبير. وفي منتصف الطريق تراجعت الحكومة مبديةً زهدها في الأطراف المتحاورة.
بدأ التلويح بهذا الخبر لإيهام الداخل الذي بدأ ينتبه مؤخراً، بأنّ المعارضة عميلة وتستنجد بالخارج في فرض أجندتها. كما أنّ ثابو أمبيكي رغم ميله للحكومة السودانية في كثير من جلسات الحوار السابقة إلّا أنّه لم تكن له الجرأة في إعلان ذلك، فبدا للفريقين وكأنّه محايد تماماً، والحكومة تطمع في أكثر من ذلك لتجيير موقفها.
لا يبدو أنّ هناك تعويلاً كبيراً من قِبل الشعب السوداني على قوى المعارضة المكونة من الأحزاب السياسية. فبينما يكون من المتوقع أن تعمل هذه المؤسسات على رفد القيادة السياسية بالعناصر ذات الكفاءة، وتنمية الوعي السياسي، واجتذابها من دائرة السلبية إلى دائرة الإيجابية، وتعزيز روح المشاركة السياسية لديها، فإنّ وضعها من حيث الضعف انعكس بشكل مباشر على البناء السياسي برمته.
وبعد توقيع الحركات المسلحة على اتفاقية خريطة الطريق، يأتي تصريح منّي أركو مناوي قائد حركة تحرير السودان بأن التوقيع لا يعني الذهاب إلى الخرطوم. أما الحركة الشعبية فقدمت ورقة من خمسة مبادئ لحل قضية الترتيبات الأمنية النهائية وهي: إعادة هيكلة جيش سوداني مهني وغير مسيس ويعكس تركيبة السودان ومصالح مجتمعه، وحل الميليشيات وعلى رأسها قوات الدعم السريع، وانصهار قوات الجيش الشعبي في الجيش السوداني الجديد بعد انتهاء تطبيق اتفاق السلام والترتيبات الانتقالية عبر فترة زمنية كافية بما يراعي أمن شعوب المنطقتين وأن تشمل عملية تسريح قوات الطرفين وليس طرفاً واحداً. فهل يقبل حزب المؤتمر الوطني الطرف الأقوى إلى الآن بما جاء من ردود أفعال وأقوال عقب التوقيع. هذا مما لا ينزل عند الشعب السوداني أي منزلة صدق من الأطراف المتفاوضة والموقعة.