مساجد وكنائس كينيا تطلى بـ”لون الإيمان”.. فهل يحقق ذلك الوئام بين المسلمين والمسيحيين بالبلاد؟
يعمل الفنان الأميركي الكولومبي يازماني أربوليدا على مشروع فني في العاصمة الكينية نيروبي، يقوم خلاله بطلاء دور العبادة جميعها بلون أصفر فاقع ضمن مشروعه الفني المجتمعي Color in Faith “لون الإيمان” لتكتسي به المساجد والكنائس بحلة صفراء كالليمون رمزاً للسلام بين جميع الأديان.
حسب تقرير نشرته صحيفة الغارديان البريطانية، فقد ذكر آربوليدا أن “الهدف هو طلاء دور عبادة كينيا باسم الحب، فالفكرة من أساسها هي تحويل المباني إلى هياكل فنية تخاطب إنسانيتنا المشتركة”.
ولكن من بين كل الألوان لم ينتقِ سوى الأصفر، لونه فاقع شاذ على الطرقات، وهنا يقول آربوليدا مدافعاً عن لونه الساطع والدافئ: “يظن الناس أن الصور تعرضت للتعديل والفوتوشوب لأن درجة اللون الأصفر مشبعة فاقعة، فهذه الدرجة من الأصفر تسمى الأصفر المتفائل”.
اعتذار لكينيا
بداية الأمر كانت عام 2015 حينما كان أربوليدا فناناً ضيفاً في نيروبي. كان من قبلها قد اشتغل بالفن المجتمعي منذ عام 2006 واشتهر بمشروع بالونات الهواء وردية اللون التي رمزت للسلام في كابول بعد اعتداء نفذته طالبان عام 2013. التقى آربوليدا في نيروبي بنبيلة علي بهاي التي أسست منظمة In Commons للمشاركة المدنية، حسب تقرير “الغارديان”.
ويقول: “تحدثنا عن إنسانيتنا المشتركة وعن أسمى أهدافنا بوصفنا شعوباً من مختلف الأديان. كيف لنا أن نرغم بعضنا على نزع الأسلحة وإلقائها بواسطة الجمال؟ وكيف نحقق ذلك متخطين كافة حواجز اللغة والدين والعرق والسياسة؟”.
وقتها جاءه الإلهام من زيارة لباراك أوباما إلى نيروبي في أغسطس/آب 2015، تلك الزيارة التي أثارت ضجة حينما زعم صحفي من شبكة سي إن إن أنها زيارة محفوفة بالمخاطر ومتهماً كل شرق إفريقيا بأنها “مرتع للإرهاب”.
وقتها ظل وسم تويتر المسمى #someonetellcnn (فليقل أحدهم لـ سي إن إن) دارجاً لعدة أيام قبل زيارة الرئيس الأميركي، فقد انهالت الانتقادات على شبكة سي إن إن الإخبارية حتى استقل مدير تنفيذي في الشبكة طائرة ليحط في نيروبي ويعتذر من هناك عن نشر ذلك المقال.
لا فاعلية لدور مجالس الدين
لكن إقناع الشيوخ والقساوسة والأئمة بجدوى المشروع والانضمام إليه ليس مهمة سهلة، فقد قابل أربوليدا أكبر مجالس الدين في البلاد بغية ضم أكبر عدد ممكن من المباني في مشروعه، لكنه قال “اكتشفنا أن تلك المجالس لا حول لها ولا قوة، فقد طفقنا نطوّف من قس إلى قس، ومن كاهن إلى كاهن، ومن إمام إلى إمام، ومن شيخ إلى شيخ.”
عثر آربوليدا على 14 دار عبادة لم تمانع طلاءها باللون الأصفر، لكن نظراً لتعقيدات البيروقراطية الدينية لم تشترك من تلك الدور سوى 3 حتى نهاية المشروع. فقد طلب أحد المساجد من آربوليدا أن يثبت لهم أن اللون الأصفر يمثل الإسلام، فيما طلبت منه كنيسة دعماً مادياً كي تشارك في المشروع.
ويستذكر آربوليدا: “عند تلك المرحلة عدت أدراجي إلى بيتي لأبكي. فقد كنت كسير الفؤاد. كنا نحاول صياغة بيان عن الاتحاد والجمال، لكن حتى بوجود الرؤية المشتركة عكرتنا العوائق والعقبات. لكننا بحمد الله وجدنا أناساً مستعدين للتعاون بطريقة أكثر شفافية”.
البداية مع المسجد
كانت أول مؤسسة دينية تنضم إلى المشروع هي مسجد جدة كامبي الذي طلي في سبتمبر/أيلول 2015، ويقول آربوليدا عنه: “كان الشيخ منذ البداية متحمساً جداً لدعم القضية والمساعدة في الاتصال بمؤسسات أخرى. لقد مكننا من تحقيق الحلم”.
من بعد المسجد كان الدور على أبرشية A-C-K Holy Trinity المسيحية وعلى معبد Baps Swaminarayan الهندوسي. ومع نهاية الشهر كان آربوليدا قد أنهى طلاء كنيسة Jesus Is the Key of Life و3 مبان أخرى.
تقول قوائم الـ سي آي إيه الأميركية التي تصدر في كل عام لتدرج إحصاءات وحقائق عن بلدان العالم إن 83% من الشعب الكيني هم من المسيحيين، وإن 11% هم من المسلمين، وإن ثمة أقليات هندوسية وبوذية أصغر. ويؤكد آربوليدا الذي لا يدين بديانة معينة لكنه يرى نفسه شخصاً روحانياً: “في كينيا الدين طريقة لحكم المجتمع، وبالتالي إن طرح الأسئلة والحوار هي طريقة جِدّ فعالة لتلك الجاليات الدينية”.
وقد عكف المتطوعون على طلاء المباني باستخدام معدات قدمتها شركة دهانات Sadolin الأوغندية، حيث تبرعت بـ 5 آلاف لتر من الطلاء.
أما المتطوعون فيشارك 70 منهم في طلاء كل مبنى؛ يدهنونه سوياً رغم تحدرهم من شتى الأديان والطوائف الدينية. وفي إحدى المرات رأى آربوليدا فناة مسلمة تتعرف على فتيات مسيحيات من عمرها؛ فقال “جميلٌ أن ترى الناس تبتسم وتتحدث إلى بعضها البعض”.
هجمات المتطرفين
سيزور آربوليدا نيروبي الشهر القادم (سبتمبر/أيلول 2016)، وعندما يحط رحاله سيباشر بطلاء مسجد الهداية، ثم سيشد رحاله إلى مدينة مومباسا الساحلية ليدهن مسجد الفاروق وكنيسة كينيا الأنجيلية ومسجد موسى الذي هو مسجد مثير للجدل ذاع صيته عام 2014 حينما عمدت مجموعة مسلمين متهمين بالتطرف إلى تغيير اسمه؛ كذلك سيتم طلاء كنيسة Majengo Salvation Army التي تعرضت لاعتداء مرتين.
يقول آربوليدا: “هذا يعني لن الكثير لأن كلا هذين البنائين تعرض لهجمات التطرف بين عامي 2012 و 2014. بالتالي الفن يساعدنا على إعادة تقييم أنفسنا وأفكارنا عن الغير”.
ولا يكتفي آربوليدا بمشروه طلاء مدينتين باللون الأصفر، إذ بدأ مؤخراً العمل على نصب عام في نيروبي سيكشف النقاب عنه العام القادم (2017 ، قائلا”سنطلق عليه اسم “حديقة النخيل المفتوحة” ولعلنا بالطبع ندهن النصب باللون الأصفر”.
هافغنتون بوست