حصة الحمود الصباح : “خطيئة الحكم المسبق على الآخرين”
ذهب أبطالنا للمشاركة في الأوليمبياد، ذلك المحفل الرياضي الذي يعد الحدث الرياضي الأكبر في تاريخ الأرض.. ذهب أبطالنا محملين بآمال وطموحات ليس لتحقيق مجد شخصي وحسب، ولكن لرفع اسم الكويت عاليا بين أبطال الأرض في مختلف المسابقات.. ذهبوا وهم على يقين أن حرمان الكويت من المشاركة لن يثنيهم عن جعل اسمها يتردد على الألسنة وفي صفحات الجرائد وعلى شاشات التلفاز، لقد تم رفع العلم الأولمبي في الهواء كرمز لبطلينا الفائزين بالذهبية والبرونزية، ولكن علم الكويت كان ولايزال مرفوعا في قلبيهما اللذين لم تهدأ سرعة نبضاتهما وقوة خفقانهما إلا بنجاحهما الأولمبي المدوي.
الفوز بذهبية وبرونزية الرماية في أوليمبياد ريو دي جانيرو رسالة لنا جميعا بمن فيهم أبطالنا الذي نجحوا والذين لم يحالفهم الحظ هذه المرة، أنه لا يوجد مستحيل وطالما القلب ينبض فهناك الكثير لنحققه ليس في المجال الرياضي فحسب، ولكن في جميع المجالات، فنحن جميعا كعرب ومسلمين في الشرق الأوسط نعيش مرحلة صعبة من الاحتقان الطائفي والردة الحضارية التي تسببت فيها انتشار الأفكار والاتجاهات المتطرفة التي تحارب ثقافة الحياة والتطور، ثقافة تعاند السمو الروحي والتفوق البدني، عندما كنت أتابع حصد أبطال دول العالم للميداليات الأولمبية تذكرت مقولة الفاروق عمر رضى الله عنه “علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل”، وتحسرت على ما نحن فيه من تدهور وانحطاط وانكسار نفسي نتيجة غياب الطموح والرغبة في التفوق وبذل العرق والجهد، نعم نشكر أبطالنا الفائزين ومن لم يحالفهم التوفيق، ولكن لماذا نرى أبطالا من كل مكان شرقا وغربا وشمالا وجنوبا ويكاد يخلو الشرق الأوسط من الأبطال إلا بين فترة وأخرى وبمجهود فردي غالبا من الأبطال أنفسهم؟ إلى متى ونحن نكتفي فقط بالمشاهدة ونفرح ببضع ميداليات هي كل حصيلة منطقة الشرق الأوسط في الأولمبياد في حين نرى دول أخرى واحدة منها تحقق أضعافا مضاعفة لما تحققه منطقتنا العربية بأكملها؟
للأسف، لقد تكلمنا كثيرا ونكرر مرة أخرى أن السبب هو معاداة كل ما يحقق السمو الروحي والبدني من رياضة وموسيقى وسينما ومسرح وإبداع أدبي بلا قيود، وذلك بحجة مخالفة ذلك للدين والدين من توجههم بريء، فالفكر الديني عموما والإسلامي خصوصا لا يقف حجر عثرة أمام أي تطور فكري أو إبداع بشري علمي أو ثقافي تراثي، وإن كنا نصفق لدعاة الجمود والتخلف الحضاري بحجة الدين أو العادات، فلما نفرح ونهلل عندما نشارك في المحافل الدولية ونفخر عندما يفوز أحد أبطالنا بميدالية أولمبية، ونحن نعلم يقينا بأن أبطال العالم في الرياضة والثقافة والفنون هم أبناء بيئة متحررة من القيود المصطنعة و الخالية من الاحتقان الديني والاجتماعي؟
لذا أحب أن أوجه رسالة إلى أبطالنا وإلى كل شباب الكويت أن المسؤولية عليهم كبيرة والتحديات قادمة لامحالة، ولنا في سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد مثال واضح، حيث إن سموه في بداية حياته العملية واجه صعوبات وتحديات تجاوزها بروح الفرسان، وكان سموه ولايزال فارسا من فرسان هذه الأمة نجح في مسيرته الشاقة وخاصة في السياسة الخارجية أن يفرض الكويت كعنصر فاعل ومهم في الأحداث الدولية، لذا علينا أن نسعى للحفاظ على مكانة الكويت ورفعتها بين الدول في جميع المجالات، وهذا لن يأتي إلا بالكفاح والعرق والجهد وقبل ذلك التوكل على الله.
دعوكم من دعاة التجهيل والإحباط والفتن وأقبلوا على الحياة بقلوب صادقة يملؤها اليقين بأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا.. سننجح بإذن الله.