مقالات متنوعة

محمد لطيف : تابان في الخرطوم.. صفحة جديدة

حين أصدر الفريق سالفا كير ميارديت قرارا في العام 2013 بإقصاء الجنرال المثير للجدل تابان دينق قاي من منصبه كحاكم لولاية الوحدة.. في ظل ظروف بالغة التعقيد ومواجهة شرسة بين الرجلين.. لم يكن أكثر المتفائلين يعتقد أن ثلاث سنوات كافية لتعود المياه إلى مجاريها بين الرجلين وتصفو الأجواء.. بل ويصعد السيد دينق إلى منصب النائب الأول.. والرجل الثاني في الدولة.. ولكن عن جدارة واستحقاق..!
كثيرون في جوبا وخارجها باتوا الآن على قناعة بأن أكبر الأخطاء التي ارتكبها الدكتور رياك مشار ليس خلافه مع سالفا كير.. بل اختلافه مع أقوى رجاله وساعده الأيمن تابان دينق في كيفية إدارة الأزمة.. فتابان الذي قاد المفاوضات مع رجال الحكومة قاتل أشرس قتال على طاولة المفاوضات حتى استخلص للدكتور رياك مشار ما لم يكن يحلم بها من مكاسب.. حتى إذا تزينت جوبا لمشار وأعوانه.. لم يكن نصيب تابان غير وزارة تعتبر هناك هامشية.. اسمها المعادن.. وهنا تجلت حكمة الجنرال المصادم فآثر الصمت.. واكتفى بأن أبلغ قائده أنه يقبل تقديراته ويحترمها رغم أنه له خياراته.. وانخرط تابان في العمل.. متجاوزا خطيئة مشار في حقه..!
وقبل نحو شهر من الآن حين حاصرت النيران قائده الدكتور رياك مشار داخل القصر الرئاسي.. كان تابان دينق.. العليم بكثير من التفاصيل فيما يبدو.. والموجود لحظتها خارج محيط المعركة.. ينصح مشار بالبقاء داخل القصر جوار الرئيس.. بحسبان أن تلك هي الضمانة الوحيدة لسلامته الشخصية وسلامة اتفاقية السلام.. حتى تتم السيطرة على الوضع وتفعيل آلية مراقبة الاتفاقية.. ولكن مشار يضرب بنصيحة تابان عرض الحائط ويغادر القصر.. لتتوالى الأحداث عاصفة حتى تعصف بمشار..!
ولا ييأس تابان دينق من قوة رأس قائده.. وتخبط تقديراته.. الواحد تلو الآخر.. ولكن حين يقترب هذا الرأس من (خبط) الحائط ونسف كل شيء.. يستدرك تابان الذكي الأمر.. ويتخذ القرار الوحيد الذي رآه.. ويراه معه الكثيرون صحيحا.. أن سوء تقديرات رجل واحد لا ينبغي أن تطيح مكاسب الجميع.. فيقرر تابان دينق أن يتحمل مسؤولية حماية تلك المكاسب.. فيصبح النائب الأول لرئيس الجمهورية.. ولا يكتفي تابان بالمشروعية القطرية التي منحها إياه المرسوم الجمهوري.. بل يحمل حججه بنفسه ويذهب لمواجهة إيقاد.. التي تحفظت على تقلده المنصب.. ليقنعها أن الطبيعة لا تقبل الفراغ.. والسياسة كذلك.. فتقتنع إيقاد.. وتتراجع أمام الحجج القوية والمقنعة للجنرال المشاكس.. فيحصل تابان دينق قاي على مشروعية إقليمية.. كانت مهمة ومطلوبة لاكتساب المشروعية الدولية.. لينطلق تابان بعد ذلك في ترتيب مهامه وفق أهميتها..!
ولأن تابان يعلم الكثير.. ويدرك الحسابات السياسية جيدا.. كان ولا شك يدرك أهمية السودان.. لذا ليس غريبا أن تكون وجهته الأولى إلى الخرطوم التي يحل فيها غدا ضيفا عزيزا مرحبا به.. في إطار شراكة استراتيجية يأمل الجميع أن تحكم علاقات البلدين لمصلحة الشعبين.. وتقريبا تلك هي العبارات التي رددها مسؤول دستوري رفيع في الدولة حين سألته مرة إن كانت لهم تحفظات على تابان دينق.. وذلك بعد أن قال لي.. نحن بالطبع حريصون على علاقتنا بالجنوب ونحترم خياراتهم.. ونحن جزء من الإيقاد.. وتابان قد عبر من نفق إيقاد بنجاح.. ونحن نعرف الرجل جيدا.. لذا فمرحبا به إذا جاء إلى الخرطوم.. ولعله لسبب من هذا فها هو الجنرال تابان دينق قاي النائب الأول لرئيس جمهورية جنوب السودان غدا في الخرطوم..!