الإعلام والإرهاب..
> في قضية الإعلام والإرهاب، يتفق الجميع على أن هذه القضية المعقدة المركبة التي يعاني منها كل العالم، ساحة معركتها الرئيسة هي الإعلام وليس سواه، فالإعلام هو المضمار الذي ينبغي إحراز السبق فيه لمحاربة ومواجهة هذه الظاهرة، بيد أن المجموعات الإرهابية نفسها التي ينشط الجميع ويهرعون لمنازلتها، باتت تمتلك ناصية في الإعلام تجتذب المتلقى وتعرض ما عندها وتتفنن في كل صنوف وفنون العمل الإعلامي المرئي والإلكتروني . > تتوارد بعض الخواطر حول هذا الأمر، بعد الورشة الناجحة والمهمة التي احتضنتها الخرطوم حول (الإعلام ودوره في مكافحة الإرهاب) وهي ثمرة عمل مشترك بين وزارة الإعلام وجامعة الدول العربية، ولعل خطاب السيد رئيس الجمهورية في الجلسة الختامية وخطاب النائب الأول في جلستها الافتتاحية والقدح الذهني والأوراق العلمية والأطروحات التي قدمت من العلماء والخبراء والمشاركين تفتح الباب لمناقشة عميقة حول موضوع هذه الورشة . > وبالرغم من أن مفهوم الإرهاب مطاط للغاية وحمال أوجه، ينبغي عدم الانسياق وراء المفاهيم المعلبة والجاهزة له، فالإرهاب ومفاهيمه لدى كثير من الدول العربية، ليس هو الإرهاب لدى دول وجهات عديدة لديها تعريفها له وتصنيفها للحركات التي تعد إرهابية، فمسألة تعريف المصطلح ما يعنيه بدقة هي المدخل الأول للاتفاق على كيفية التصدي للإرهاب ومن يمارسه . > إذا كان الإعلام هو النصل الأحد والأمضى في هذه المعركة، فليس من المنتظر أن يكون الإعلام طائشاً في قطعه للرقاب، لابد من أن يفرق بين المفاهيم المتعارضة والموصوفين بالفعل الشائن المطلوب مواجهته، وهذه قضية جدلية ظلت لسنوات تتحدث عنها الملتقيات ولمؤتمرات وورش العمل والندوات التي تعقد من أجل مواجهة هذه الظاهرة . > فمثلاً هناك دول في الغرب خاصة في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية فضلاً عن الكيان الصهيوني، يصنفون حركة مقاومة باسلة مثل حركة المقاومة الإسلامية(حماس) بأنها منظمة إرهابية تعامل معاملة القتلة المأجورين وسفاكي الدماء، وشطبوا كل تاريخها المقاوم ومشاركتها في العملية الديمقراطية وأن قادتها كانوا على قمة هرم السلطة التنفيذية التشريعية عندما فازت في الانتخابات الفلسطينية قبل سنوات ولم تجرَ انتخابات شاملة بعد تلك الانتخابات في الأراضي الفلسطينية، فكيف يمكن للإعلام العربي أو قل نحن هنا في الخرطوم أن نتعامل مع هذا التصنيف الغربي الذي يجد تأييدا ًمن بعض الأنظمة والحكومات العربية . > أما حركة الإخوان المسلمين بتاريخها الطويل وتأثيرها الفكري والسياسي لما يزيد عن ثمانية عقود كاملة في العالم الإسلامي وظلالها التي ألقتها على العالم كله، كحركة تجديد وبعث إسلامي، تصنف الآن في بعض الدول كحركة إرهابية ويتم التعامل معها على هذا الأساس وتتعرض للتنكيل والعسف والقتل والاعتقالات التي تطال قيادتها التي صنعت التنوير والوعي بقضايا الإسلام وقدمت تجربة فريدة في التاريخ الإسلامي كطليعة ونبراس لشمول الإسلام وحاكميته في العصر الحديث، فمع عدم وجود اتفاق على مفهوم الإرهاب ستختلط الأمور، وربما توظف وتجير على الدعوات التي تتم بنية حسنة في صالح قوى أخرى تمتطي سروج التوجهات الجديدة بدعوى مكافحة الإرهاب لتنفيذ أغراض سياسية محضة . > وهناك ملاحظة أخرى ينبغي التوقف عندها، وهي أن الحديث عن مكافحة الإرهاب، لا يتبعه تقرير دقيق لما عليه الحالة الإرهابية نفسها، هل هي حالة تشدد وتطرف وجنوح وغلو من مجموعات دينية او سياسية، كانت تعيش في خبالها وقد ضلت الطريق القويم، أم هي حالة أخرى نتاج العمليات الاستخبارية الدولية التي تصنع المجموعات الإرهابية وتزرعها وسط البلدان الرخوة ..؟ ففي حالة داعش مثلاً وهي الحالة التي استثارت العالم كله وجعلته يقف على قدميه لصرف شرورها وضربها، وقام العالم الإسلامي والوطن العربي ولم يقعد بسببها، هي في بعض أو قليل من حقائقها المعلنة صنيعة قوى خارجية معادية للأمة وهناك اتهامات متبادلة حتى داخل الولايات المتحدة وأجهزتها الناشطة في مجال أمنها القومي واستخباراتها، بأنها وراء هذه الظاهرة الداعشية.. كما أن جهات أخرى لاتزال تتهم إسرائيل بأنها وراءها، وربما تجد في العراق من يؤكد وبالوثائق أن نسختهم من داعش وراء غلوائها وجنونها المخابرات الإيرانية .. > مهما يكن فإن ظاهرة الإرهاب ومجابهتها تقتضي فهما متفقاً عليه ومفهوماً موحداً، وعليه يمكن أن تتأسس عقيدة إعلامية عربية أو وطنية في كل بلد لمحاصرة هذه الظاهرة وتجفيف منابعها كما يقال دائماً، ومما يؤسف له أن الحركات الإسلامية الحديثة المغلوب على أمرها في بعض البلدان العربية والتي تحارب حرباً بلا هوادة، كانت هي الترياق من ظاهرة الغلو والتطرف وكانت حائط الصد ، لما فقد هذا الحائط والترياق عمت الفوضى وانتشر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الأنظمة والحكومات التي لم تحسن التقدير وعلى نفسها وعلينا جنت كما يقول المواطن العربي البسيط..