مقالات متنوعة

امام محمد امام : جامعة النيلين في يوم عُرسها المرتقب

إن أنسى لا أنسى، تلكم الأيام الجميلة، وذاكم الزمن الجميل، ونحن في كنف جامعة الخرطوم، الأم الرؤوم، «يا جميلة ومستحيلة»، التي تعلمنا منها مفاهيم الولاء والبراء، ورضعنا من ثديها الضروع، معاني الوفاء وحب الأخلاء. وعلمتنا علماً نافعاً، وأدباً رائعاً، بهذه الجمائل نعرف كيف نجتنب المخازي، ويمنعنا عن الغدر الوفاء.. وكأني بجامعة الخرطوم تدرسنا بمختلف كلياتنا، شعراً ومعنى، قول الشاعر العربي حبيب بن أوس بن الحارث الطائي المعروف بأبي تمام: رأيتُ الحر يجتنب المخازي ..ويحميه عن الغدر الوفاء وتحرص على تذكيرنا بمعاني الوفاء، سواء أكنا قريبين منها أو بعيدين عنها، لأنها تعلم علم اليقين أنه لا شيء أعز من الوفاء، وذلك ما ذهب إليه الشاعر العربي أبو الحسن علي بن الجهم بن بدر بن مسعود بن أسيد، في قوله: وجربنا وجرب أولونا ..فلا شيء أعز من الوفاء ونحن في كنف جامعة النيلين لنكون شهداء على انطلاق فعليات احتفائية الجامعة بيوبيلها الفضي، من خلال لقاءٍ صحافي عقده الأخ البروفيسور محمد الأمين أحمد مدير جامعة النيلين أول من أمس (الأحد) بمباني الجامعة، تذكرت – والتذكر عند محمد بن مكرم بن علي أبي الفضل جمال الدين بن منظور الأنصاري الرويفعى الأفريقى، في لسان العرب، جَرَيانُ ذِكْرِ شَيْءٍ حَدَثَ في الماضِي بِاللِّسانِ أَوْ حُضورُهُ في البالِ أو ما ينطبع في الذاكِرة، ويبقى فيها – ما كان بيننا نحن طلاب جامعة الخرطوم ورسلائنا طلاب جامعة القاهرة فرع الخرطوم، من مُساجلاتٍ ومُلاطفاتٍ، أوقد نورها شعراء حلمنتيش في أماسي منتدى الفلاسفة بكلية الآداب في جامعة الخرطوم، لتبيان مدى عُسر الدراسة في الأولى، مقارنة بيُسر الحصول على الشهادة في الثانية، في سبعينات وثمانينات القرن الماضي. وكأن الشاعر محجوب شريف – يرحمه الله- صاغ كلمات أغنية «يا جميلة ومستحيلة»، على المذهب الرمزي في الأدب فهو غير ذلك. ومن المستحسن أن نسميه المذهب الإيحائي لكي تتضح طرائقه ومعناه باختصار شديد، التعبير عن المعاني الكامنة في النفس، التي لا تستطيع اللغة بصورتها المعتادة الكشف عنها.. ولذلك يعمد الأديب أو الشاعر إلى استخدام إيحاء الكلمات وإيقاعها وظلالها، ورسم صور ظليلة وتعبيرات مفاجئة، ليضع القارئ في دائرة الشعور الذي يحب أن يوصله إليه، رمز بتلكم الأغنية التي صدح بها الفنان الموسيقار الراحل محمد عثمان وردي –يرحمه الله- ونحن نذهب في ذلك، الى الكاتب المسرحي النرويجي هنريك يوهان إبسن.. حيث نتلمس في مقولته الشهيرة في هذا الصدد مبتغانا. إذ يقول على المبدع أن يبدع إبداعه وعلى النقاد تفسير ذلكم الإبداع، ولذلك نفسر رمزية «يا جميلة ومستحيلة»، بجامعة الخرطوم في مزاوجة غريبة بين الحمال والاستحالة. يا جميله ومستحيله .. يا جميله.. ومستحيله انتِ دايماً زي سحابه .. الريح تعجّل بي رحيلها عيوني في الدمعات وحيله .. اسمحيلا تشوف عيونك.. اسمحيلا أنا لا الصبر قادر عَلَي.. ولا عندي حيله بينما حرص ابن بلدتي الأخ الصديق الشاعر الغنائي إسحق الحلنقي على أن يُنظم شعراً غنائياً رقيقاً عن «الحنينة السُكرة»، ليغنيها فنان أفريقيا الأول الموسقار محمد وردي، وكأنهما أرادا أن يُشيرا الى أن هذه «الحنينة السُكرة» جامعة القاهرة فرع الخرطوم، لأنها زاوجت بين الحنية والسكرية. الحنينة السُكرة نورت وفي الحفلة جات .. يلا غنن يا بنات .. للفرح للأمسيات السعادة الليلة جات .. الحلاة الما بنقدره .. الحنينة السُكره سمحه والله ومقدره ..جينا ليها نذكرا .. السهره لازم تحضرا ..بشبابا تنورا لا يخفى على أحدٍ، الرمزية هنا تشير الى التأكيد على انشغال طلاب جامعة الخرطوم بعُسر دراستهم آنذاك، وتعطير طلاب جامعة القاهرة فرع الخرطوم وقتذاك آماسي الخرطوم، بعذب المغنى وتعذيب المُعنى، فهي كانت عليهم بحقٍ وحقيقةٍ حنينة وسُكرة، بينما كانت تلكم علينا جميلة ومستحيلة. كل هذه الذكريات، كانت تترى علي، وأنا مُنصتٌ الى شرحٍ مفصلٍ من الأخ الصديق البروفيسور محمد الأمين أحمد مدير جامعة النيلين، عن المشروعات الطموحة للجامعة خلال احتفائيتها بيوبيلها الفضي في ديسمبر 2018، عبر لقاءٍ صحافي تشاوري تفاكري مع ثلةٍ من الصحافيين والإعلاميين، إيذاناً بانطلاق فعاليات اليوبيل الفضي لجامعة النيلين أول من أمس (الأحد). جميلٌ، أن يستهل الأخ البروفيسور محمد الأمين أحمد حديثه، بفذلكةٍ تاريخيةٍ عن الجامعة، فجامعة النيلين بالسودان، كانت تعرف في سابق الزمان والأوان، بجامعة القاهرة فرع الخرطوم، وقد تأسست في عام 1955 في عهد الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، لتكون جسر تواصل تعليمي علمي وثقافي للعلائق بين السودان ومصر. وفي عهد الإنقاذ تم سودنة الجامعة وتحويلها إلى «جامعة النيلين» في عام 1993، وهي جامعة عريقة، كانت تتكون من كلية القانون والآداب والتجارة والعلوم، ولأنها لم تكمل عند إنشائها عدد الكليات التي تجعلها جامعة مستقلة، أُعتبرت فرعاً من فروع جامعة القاهرة. ولما أضيفت إليها في التسعينات كليات الطب والصيدلة والهندسة والبصريات والعلوم الرياضية والمختبرات والعلوم والتكنولوجيا والمختبرات الطبية، صارت جامعة مستقلة، وتعد جامعة النيلين أكبر جامعة سودانية من حيث عدد الطلاب، ثم ألحقت بها العديد من الكليات، فعدد طلاب البكلاريوس فيها يزيد عن 70 ألف طالب، وعدد طلاب الدراسات العليا أكثر من 10 آلاف طالب، ويصل عدد خريجيها الى ما يزيد عن مليون خريج. أخلص الى أن المشروع الطموح الذي عرضه الأخ البروفيسور محمد الأمين في ذاكم اللقاء، هو خارطة مبانٍ جاهزة للجامعة تم التعاقد عليها مع شركة لأمير سعودي، بكلفة 250 مليون دولار سيتم تركيب هذه المباني الجاهزة تباعاً خلال احتفالات الجامعة بيوبيلها الفضي، ابتداءً من 21 أغسطس 2016 الى ديسمبر 2018 وكان تمويل هذا المشروع الطموح محل تساؤلاتٍ عدةٍ.. ولكن المدير ونائبه طمأنا الحضور بأن التمويل مقدور عليه، وشرحا بشيءٍ من الإيجاز بعض مصادر هذا التمويل لإنفاذ هذا المشروع الطموح، الذي يمكن الجامعة من استيعاب المزيد من الطلاب داخل السودان وخارجه، فجامعة النيلين تكتسي هذه الأيام حُلة زاهية، إيذاناً ببدء فعاليات يوبيلها الفضي، والمأمول أن يهب خريجو هذه الجامعة وينفروا خفافا وثقالاً من أجل إنجاح مشروعات جامعتهم الطموحة، والتفاعل مع يوبيلها الفضي.