مقالات متنوعة

عبد الله الشيخ : فلَجة مَشَار..!


مسكين رياك مشار، لقد أصبح بعيداً، أكثر من أي وقت مضى من كرسي السلطة ومن معشوقته جوبا، لا لسبب إلا لأنه استغرق في حلمه بحكم الجنوب، كان يمكن لمشار أن يعيش سعيداً لو لا هذا الحُلم الخانق الذي اعتراه، لمجرد أن عرّافاً أو كاهن ــ كجور ــ قد أوعز إليه، أنه سيحكم جنوب السودان، لأنه يمتلك أجمل (فلجة) في تلك الدولة الوليدة، التي تتنكب طريقها بصعوبة بعد الانفصال عن السودان الكبير.
أمس الأول أكد وزير الإعلام أحمد بلال عثمان أن النائب السابق لرئيس دولة جنوب السودان، وزعيم التمرد، رياك مشار موجود في الخرطوم، لتلقي العلاج من جروح أصيب بها لدى هروبه من جوبا مؤخراً، بعد اندلاع الاشتباكات بين قواته وقوات غريمه سلفاكير داخل القصر الرئاسي وفي أنحاء متفرقة من المدينة.
بالطبع لا يوجد إحصاء لعدد الجرحى والقتلى الذين قضَوْا في تلك الاشتباكات من كلا الطرفين، الذين ضاعوا سمبلا، في خضم الصراع على الزعامة.
الخرطوم استقبلت مشار، الذي يتلقى العلاج الآن في إحدى مستشفياتها، بعد تعرضه لإصابة في قدمه خلال عملية هروبه الأخيرة عبر الأدغال، مسكين مشار لقد عُثر عليه جريحاً في العراء.. عثرت عليه قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة العاملة في جمهورية الكونغو الديمقراطية وهو مصاب، فتم إجلاؤه إلى مرابعه القديمة ــ إلى الخرطوم ــ التي ما كان يمكن أن يدخلها بتأشيرة أو يعيش فيها غريباً، لولا أنه كان من الانفصاليين.
إذا كان النيل يجري من الجنوب إلى الشمال، فإن بترول حقول الوحدة، لا يمكن تصديره إلا عبر بورتسودان، وإذا كان الانفصال قد أصبح حقيقة واقعة، فلا معنى للتمسك بولاية (الوحدة)، ناهيك عن تعطيل حقولها عن ضح النفط ، الذي لم يعد يساوي الحبر الذي ترسم به مؤشرات البورصة وأرقام سوق العملة المتهالكة، في السودانيْن، أمام الدولار!
لقد استقبل السودان الدكتور رياك مشار (لاعتبارات إنسانية صرفة) بحسب إفادة وزير الإعلام، الذي أوضح كذلك، أن صحة الضيف الجنوبي مستقرة، وأنه سيبقى في الخرطوم حتى يتعافى، ليغادر بعد ذلك إلى أي بلد يختاره.. لكن مصدراً مقرباً من مشار قال إنه حال تعافيه، سيقوم بإجراء مباحثات رسمية مع المسؤولين السودانيين، وبقية دول الإيقاد للتأكيد على تمسكه باتفاق السلام الذي أبرمه مع رئيس دولة جنوب السودان سلفاكير في أغسطس الماضي، بالإضافة إلى الإسراع في نشر قوات حفظ السلام الدولية، حتى يعود إلى جوبا لممارسة نشاطه كنائب لرئيس حكومة جنوب السودان.
مسكين مشار، فهو لم يزل يحلم بالعودة المستحيلة إلى جوبا، بينما احتل مقعده أحد المقربين إليه، وهو نائب الرئيس الجديد، تعبان دينق، الذي زار الخرطوم، وأكد خلال زيارته على (تميُّز العلاقات بين السودانين)، إلى آخر عبارات المجاملة والكلام الذي يُقال مثله على ألسنة المسؤولين المصريين والسودانيين، كلما تدهور علاقات الطرفين!
نائب رئيس دولة جنوب السودان الجديد ــ تعبان دينق ــ أمضى ثلاثة أيام في الخرطوم، فهل من المحتمل إقناع المراقبين، والحكومة وشعب جنوب السودان وشماله، إن الزيارة لم تتطرق لوضعية مشار في الخرطوم، وما بعد شفائه من جروحه؟
حالة مشار هذه ليست خاصة به، ولا هي وضعية إنسانية فقط، ولا نحو ذلك ممّا يجنح الرسميون إلى تبسيطه.. هذا زعيم سياسي ، يُعد إماماً للمتطلعين نحو السلطة.. لن تقضي الإصابة على حلمه، ولن تصدّه عنه حوائط الإقامة الجبرية.. كثيرون يا سيدي يحلمون بالعودة، وإن كانوا لا يمتلكون أقل القليل الذي لدى مشار، فمشار عافاه الله، يمتلك (فَلجة)، بينما ناس قريعتي راحت من عناصر التنظيم الذي كان قابضاً، لا يملكون من قطمير الزعامة شروى نقير!