شمائل النور : ثورة تجهيل!
لَيست المَرّة الأولى التي يَتحدّث فيها مُنظِّر ثورة التعليم العالي إبراهيم أحمد عمر، ناعياً حَالَ التّعليم ومَا آل إليه، في أحد مؤتمرات حزب المؤتمر الوطني قبل سنواتٍ قليلةٍ، تحدّث القيادي بالحزب والحركة بغضب وأسى عن الحال الراهن للتعليم، وتحسّر الرجل على أيام خلت كانت حصة الفنون حصة أساسية في المدارس، وتساءل بحرقة، إنْ كان ما يدرسه التلاميذ والطلاب الآن هل هو حشوٌ أم كلامٌ مُفيدٌ؟ وهو وغيره يُدركون تماماً أنّه حشوٌ، وقبل أن ينعي الرجل حال التعليم، نعته مَشكورةً تلك اللافتات العريضة التي تملأ الشوارع والتي يحملها من هُم ضحايا هذه الثورة المزعومة، اللافتات المحشوة بالأخطاء الفادحة وحدها كافية لكشف الحال، وهي خير دليل وأبلغ، وأسوأ ما في هذه الثورة أنّها ألغت اللغة الإنجليزية لتحل محلها العربية ضمن سياسة التعريب، لكن ضحاياها نحروا لغة الضاد نحراً وهَاهُم يدفعون الأموال لتعلم الإنجليزية، فأصبح ينطبق عليهم المثل (ميتة وخراب ديار).
في كل مرة تكثر الخطب الناعية التعليم، والأمرّ أن النواح يصدر من الذين ذبحوا العملية التعليمية منذ أن وضعوها هدفاً أمامهم، لكن النتيجة تظل مجرد بكائيات تنتهي بانتهاء التصريح أو الحديث.. عُقدت ونُظِّمت العديد من الورش العلمية واتفق الخبراء حول شيء واحد وهو أنّ العملية التعليميّة تحتاج مراجعة شاملة من الألف إلى الياء وعلى رأسها قضية المناهج التي أجمع الخبراء في ضرورة إخضاعها لمُراجعة خاصة، والمُهم ذكره هنا، أنّ توصيات مؤتمر التعليم الذي انعقد منذ العام 2012م لا تزال حبيسة أدراج الوزارة، وسوف يأتي مُؤتمرٌ قادمٌ وستجد توصياته طريقها أيضاً إلى ذات الأدراج.
لا يختلف اثنان فيما لحق بعمليّة التعليم من تدمير مُمنهج، كان أحد أهم الوسائل في تثبيت مشروع الإنقاذ صاحبة ثورة التعليم، نسف عملية المعرفة وحل محلها شيء ما لا يصلح أن يُطلق عليه وصف أقل من عملية تجهيل شاملة. إنّ الأسوأ على الإطلاق هو ما وَصَلَ إليه حَالَ التّعليم والصحة، وهما المعيار النّاصع لتقدم أو تقهقر الأمم، أمّا الصحة فحالها من المُمكن أن يتم إنقاذه، لكن ما لحق بالتعليم عَسيرٌ جداً أن يُعوّض، لأنّ أجيالاً وأجيالاً تخرّجت وأصبحت الآن في موقع تقترب فيه من القيادة. ولولا الانفتاح وثورة التكنولوجيا والمعلومات التي انتظمت كل العالم لكان الحال أسوأ مما هو عليه الآن.. إنّ بناء الأمم يبدأ من التعليم، وبدونه لا تتحقّق نهضة، وليس كل عملية تعليميّة هي العملية المعرفيّة المَطلوبة.