اخبار هامةتحقيقات وتقارير

جيوش احتلال أم جيوش وطنية؟ (1-الجيش المصري)

إن الدور الرئيسي لأي جيش في العالم هو حماية حدود الوطن وحماية الشعب الذي يسكن ضمن هذه الحدود، هذه القاعدة الأساسية التي تم عليها تأسيس الجيوش في العالم فنحن نشاهد الجيوش في كل من أوروبا وأمريكا تتفرغ لحماية الأوطان والشعوب القاطنة فيها لا بل تقوم بهجمات استباقية لحماية أوطانها. أما الحال في البلدان العربية فهو مختلف تمام الاختلاف، وسأذكر مثالين عن أهم جيشين عربيين موجودين في المنطقة وهما الجيشان المصري والسوري، والدور الذي يلعبه هذان الجيشان في وقتنا الحالي.

الجيش المصري
لمحة تاريخية
بعد ما سمي بثورة الضباط الأحرار في عام 1953، واستلام جمال عبد الناصر لمقاليد الحكم في البلاد، وجهت جميع طاقات الجيش المصري لقتال الدولة الجديدة التي قامت بجوار مصر وهي (إسرائيل). والتي شكل وجودها تهديدا لجميع دول الجوار, خاض هذا الجيش عدة معارك؛ ففي عام 1956 وبعد تأميم قناة السويس شنت كل من فرنسا وبريطانيا و(إسرائيل) عدوانا ثلاثيا على مصر انتهى بانتصار سياسي ظاهرياً لعبد الناصر في وقتها؛ بسبب تدخل الاتحاد السوفيتي, بعدها شارك الجيش المصري في حرب اليمن واستنزفت قواته استنزافا واضحا مما أدى لتلقيه هزيمة كبيرة في عام 1967 في حرب الأيام الستة، والتي انتهت باحتلال شبه جزيرة سيناء وتدمير القوة الجوية للجيش بشكل شبه كامل, وبعد استلام أنور السادات للحكم خاض الجيش المصري لحرب 1973 بالاشتراك مع الجيش السوري حينها وبدعم عربي, بالطبع لم يكن هدف أنور السادات في هذه الحرب سوى أن تكون حربا تحريكية وليست تحريرية وتمكن الجيش المصري من تحقيق انتصار جزئي في اليومين الأوليين للحرب قبل أن تنقلب الأمور وتنتهي بحصار الجيش الثالث المصري وتقدم القوات الإسرائيلية من خلال ثغرة الدفرسوار في عمق الأراضي المصرية, بعد الحرب عقدت اتفاقية هدنة تحولت في ما بعد إلى اتفاقية سلام بين البلدين في اتفاقية كامب ديفيد عام 1979.

اتفاقية كامب ديفيد وما بعدها
كان من أهم شروط هذه الاتفاقية اعتراف مصر بـ(إسرائيل)، وإقامة سلام بين البلدين، واسترجاع شبه جزيرة سيناء للمصريين، وتضمن تقسيم سيناء لثلاث مناطق رئيسة لا يسمح فيها بتواجد عسكري كبير للجيش المصري، وفي هذا كما هو معروف انتقاص كبير للسيادة المصرية!
ومنذ ذلك الوقت أصبح الجيش المصري يتلقى معونة سنوية من أمريكا تقدر بـ1,3 مليار دولار، تشمل تسليم الجيش المصري أسلحة ثقيلة وطائرات، بالإضافة إلى أنظمة مراقبة ورادار، ولكن النقطة الأهم التي أريد أن أشير إليها في هذه المعونة، هي برامج التدريب للضباط في الجيش المصري ومن خلال هذه المعونة تمكنت أمريكا من التغلغل في الجيش المصري وتغيير عقيدته القتالية مع الوقت.
بعد كامب ديفيد، أهم عمل عسكري قام به الجيش المصري هو مشاركته في حرب الخليج الثانية تحت راية التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، لم يشارك هذا الجيش في سواها من معارك يعتد بها.
وفي الفترة التي تلت هذه الاتفاقية، تحول كبار الضباط في الجيش المصري ومتحالفين مع فئة رجال الأعمال، ليشكلوا الدولة العميقة في مصر في عهد نظام حسني مبارك، والذي منح لهم امتيازات ضخمة؛ فأصبح كبار هؤلاء الضباط من رتبة عقيد وما فوق، يمتلكون القصور والأراضي والمنتجعات، وتقاسموا النفوذ والمال مع فئة رجال الأعمال الفاسدين، وكل هذا شكل بطانة حسني مبارك منذ استلامه وحتى خلعه. وإضافة لهذا أصبح الجيش يتوغل أكثر فأكثر في الشؤون المدنية التي ليست مهمته أصلا فأصبح الجيش يصنع الغسالات والبرادات، واحتوى على وحدات لإنتاج البيض والدجاج، لا بل مؤخرا قرر المشاركة في مبادرة حلوة يا بلدي لتنظيف الشوارع وجمع القمامة!
بعد ثورة يناير
بعد قيام ثورة يناير وخلع حسني مبارك، قرر كبار ضباط الجيش إجهاض الثورة بشكل مبطن بعد القيام بتخدير الشعب لمدة، فتم إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية، ونجح على إثرها الدكتور محمد مرسي، ليكون أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر الحديث، ولكن كبار الضباط في الجيش كانوا ضمن الثورة المضادة عليه مع الإعلاميين ورجال الأعمال الفاسدين. فخلال فترة حكمه افتعل الجيش أزمات السولار والبنزين والكهرباء؛ ليساهم بإفشال حكم الرئيس مرسي، وأكبر دليل على هذا الكلام أن هذه الأزمات انتهت في أول يوم بعد نجاح انقلاب الجيش بقيادة عبد الفتاح السيسي في 3 يونيو 2013، أخذ بعدها دور الجيش في سلوك منحنى خطير جدا بقيامه بمجزرة ميداني رابعة والنهضة، والتي قتل فيها أكثر من 1200 شخص، ضاربا بذلك عرض الحائط بدوره في قتال الأعداء فقام بتوجيه بندقيته نحو الداخل وقتل المتظاهرين السلميين دون أي حجة أو تبرير.
وجميعنا شاهد التدريبات الأخيرة للجيش المصري على مجسم لمسجد، فهل أصبحت المساجد هي العدو بالنسبة للجيش المصري وضباطه خاصة؟
وكما هو واضح للجميع، فهذا الجيش انحرف بشكل كبير عن مهمته الأساسية، وأصبح يتبع لمجموعة من الضباط الفاسدين التابعين خارجيا، والذين ينفذون أجندات الخارج في مصر.
ما الحل؟
لم يعد من حل داخل هذا الجيش سوى بإعادة هيكلة كبيرة وتصحيح للمسار، ويتم هذا بعزل كبار الضباط المفسدين ومحاكمتهم على ما اقترفوه من أفعال على مدار السنوات الماضية، وأول الأمر يبدأ طبعا بعزل الديكتاتور السيسي، الذي أدخل مصر في دوامة من المشاكل الكبرى فأصبحت على حافة الإفلاس وإعادة تصحيح عقيدة هذا الجيش وحرف البوصلة نحو (إسرائيل)؛ فهي العدو الأول لمصر ولشعبها وليس المصلين والمساجد والأبرياء فليسوا هم الأعداء.
في المقال التالي إن شاء الله أتابع الحديث عن الجيش السوري، وما حل به منذ تأسيسه وحتى الآن، وما يرتكبه من جرائم بحق الشعب يندى لها الجبين.
 

ساسة بوست – عدنان شيط