عثمان ميرغني

(أصبروا.. ولا تهاجروا)


وزير المالية والاقتصاد الوطني الأستاذ بدر الدين محمود -حسب ما نقلت صحف الأمس- تقدم إلى الشعب السوداني بطلبين بسيطين.. الأول (لا تهاجروا).. والثاني (أصبروا..)
ولا أجد داعياً للتعليق على طلب (لا تهاجروا).. فالرد متوفر لو ذهب السيد الوزير إلى صالات المغادرة بمطار الخرطوم.. لا ليرى ويحصي أعداد (المهاجرين) كل يوم.. بل لينظر الوزير إلى الفرحة التي تكسو وجوههم وهم (يغادرون)!! وإلى الحزن الذي يكسو وجوه مودعيهم.. عندما (يتولوا وأعينهم تفيض من الدمع) أن لا يجدوا فرصة المغادرة..
لكن حكاية (أصبروا) هي التي فعلاً تحيِّر..!!
يصبر على ماذا؟؟ وإلى متى؟؟
يصبر على الوزير! أم الشر المستطير المخبوء في عباءة سياسات باتت مكشوفة في عراء الفشل المتواصل؟..
(للصبر حدود) فما هو الأفق المنظور للصبر الذي يطالب به وزير المالية؟ يصبر سنة.. عشرة.. إلى متى؟ ولماذا؟
لماذا يصبر الشعب على الفشل وبين يديه وطن (حدادي مدادي) تجري من تحته الأنهار والذهب وكل الخيرات؟..
وإلى متى يصبر؟؟
بكل أسف؛ ليس في آخر النفق إلا مزيد من الظلام.. فالحكومة أمسكت حتى عن تقديم الأماني والوعود.. وبدا للشعب أن الذي نفد ليس صبره فحسب، بل عشم الحكومة نفسها في مخرج مما هي فيه.. إعادة تدوير لتصريحات فقدت صلاحيتها من فرط متلازمة الفشل التي تحيط بها.. بل وأحياناً تتحول التصريحات الحكومية إلى (استفزاز) تماماً مثل ما يقوله وزير المالية الآن..
مع هذا صدقني يا سعادة الوزير.. شعبنا السوداني يصبر على الجوع مهما تضور.. وعلى الألم.. وعلى شظف الحال.. لكنه غير قادر على احتمال لعق الإهانة ومسح الكرامة الذي تنثره كل يوم التصريحات الحكومية..
في كل يوم تشرق فيه الشمس يتطوع مسؤول حكومي بتنبيه الشعب أنه ضيف في وطن “الوطني”.. وأن الحكومة تحتمله فوق طاقتها.. شعب ثقيل بفواتير القمح والدقيق والدواء .. والبكاء..!
ومع هذا.. يا سعادة الوزير.. فمن الممكن قبول كلمة (أصبروا) في حالة واحدة..
أن تأتي في خطاب استقالة.. ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.. يقول فيه الوزير أنه فشل في علاج الأزمة الاقتصادية.. وأنه يخلي مقعده لمن هو أقدر منه وما أكثرهم.. عندها يصفق الشعب للوزير بل ويهتف له.. لتوثيق حالة نادرة.. حالة وزير فشل فاستقال!
إلا أن يكون مقصد الوزير من مطالبة الشعب بالصبر.. أن يصبر عليه هو!!.

التيار