كرة الحرب ..!
اندلعت من جديد الحرب في دولة جنوب السودان، بانفجار الأوضاع أمس في ولاية الوحدة، وستكون هذه المرة أكثر عنفاً وبشاعة، وتزداد كرة نارها حجماً، لأنها نتاج خيبة أمل كبيرة وفادحة في تنفيذ اتفاقية السلام التي وقعت في أديس أبابا وعودة د. رياك مشار القصيرة إلى جوبا حتى خروجه منها بعد معارك شرسة وتركه منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية، والله وحده يعلم متى تنتهي هذه الحرب المجنونة ويعم السلام دولة الجنوب ويشعر مواطنها بالاستقرار والأمان . > يلقي تجدد الحرب الجنوبية بين قوات سلفا كير وقوات غريمه مشار، ظلالا ًكثيفة على الأوضاع في المنطقة برمتها، لاحتمال توسع دائرتها خاصة أن الانقسام العمودي في الجنوب ينذر بدخول أطراف أخرى من القبائل الحانقة والمجموعات السكانية الغاضبة، وكلها ستشكِّل ضغطاً على القوات الحكومية، خاصة أن منطقة بحر الغزال الكبرى شهدت منذ فترة أحداثاً عاصفة وصلت حتى مدينة واو كبرى مدن بحر الغزال، بالإضافة الى تمرد مجموعات استوائية في ولايات بحر الجبل وغرب وشرق الاستوائية، بالإضافة الى ما هو كائن في منطقة أعالي النيل الكبرى ومنها ولاية الوحدة التي شهدت قتالاً عنيفاً أمس، وستستعر الحرب بلا شك في هذا الصدد في مناطق وأماكن وجود قبيلة النوير التي ينتمي إليها زعيم المعارضة رياك مشار بينما لا يجد تعبان دينق الذي عيِّن نائبا ًأولَ لرئيس الجمهورية بعد خروج مشار، أي تأييد يؤبه له داخل قبيلة النوير التي ينتمي إليها . > مع هذه التطورات الجديدة وعودة الاشتباكات المسلحة واشتعال ولاية الوحدة ووجود مشار في الخرطوم لأسباب إنسانية، فعلى السودان الاستعداد للتعامل بروية وحكمة مع هذه الظروف الناشبة، فمن الصعب الآن احتواء ما يجري في دولة الجنوب، ولم تعد هناك أية جهة دولية أو إقليمية لديها مبادرة وحل يمكن تقديمه، فكل الذي تفعله او فعلته القوى الدولية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وحليفاتها الغربيات هو إصدار قرارات من مجلس الأمن الدولي بإرسال قوات دولية الى الجنوب، وهناك شكوك في حدوث مثل هذه الخطوة لصعوبة تنفيذها حاليا ًوعدم وجود حماس إقليمي كبير للمشاركة في هذه القوات والسودان من بين الدول التي اعتذرت بشدة عن المشاركة في هذه القوات، كما أن العقوبات الأممية ومنع تصدير السلاح إلى الجنوب والتدابير الأخرى لن تسهم على الإطلاق في إيقاف الحرب التي تحولت إلى ظاهرة اجتماعية اختلطت فيها الأجندة السياسية بالانتماءات القلبلية والاصطفافات العرقية والأهلية . > تبعات هذه الحرب المتجددة، سيتحملها السودان وحده وهي زيادة التوترات والاختراقات على الحدود المشتركة وتورُّط كثير من المجموعات المسلحة السودانية سواء أكانت قوات قطاع الشمال في الحركة الشعبية أم حركات دارفور المتمردة في الصراع الجنوبي – الجنوبي، وهذه بالطبع ستكون لها آثارها السالبة في ضبط الحدود ومراقبتها وتقليل المخاطر القادمة منها، وستكون قضية اللجوء للجنوبيين الفارين من أتون الحرب إلى الحدود السودانية عبئاً كبيراً على الولايات السودانية المتاخمة لحدود دولة الجنوب، وسيتسرب السلاح بكثافة كبيرة إلى حدود السودان ومناطقه، الأمر الذي سيزيد من الاضطرابات الداخلية عندنا . > تفرض كل هذه الحقائق والمعطيات واقعاً لابد من التعامل معه بسرعة لتقليل خسائره وتجنيب بلادنا ما يؤثر فيها ويجعلها متضررة من هذا الصراع الدموي العنيف، ولسنا في حاجة إلى التذكير بأن إنتاج النفط الجنوبي الذي يمر بالسودان سيتوقف لا محالة بتجدد القتال بين الحكومة في جوبا ومعارضيها وستفقد الخرطوم عائدات الرسوم المستحقة من عبور بترول الجنوب إلى ميناء التصدير أو تكريره في المصافي السودانية . > من السابق لأوانه ومن غير المناسب الآن القيام بأية تحركات لإصلاح ذات البين في دولة الجنوب، فالسودان غير راضٍ عن وجود المعارضة السودانية المسلحة في أراضي دولة الجنوب، وما صدر عن المعارضة السودانية (قطاع الشمال والحركات المتمردة) او قوى نداء السودان والجبهة الثورية ، من بينات خلال اليومين الماضيين من جوبا عاصمة دولة الجنوب، لا يجعل الخرطوم مطمئنة إلى نوايا جوبا ولن تستطيع بلع مثل هذه التصرفات التي لا تصب في مصلحة الجنوبيين أولاً ثم مصلحة السودان . > وعليه لا يمكن تصور كيفية الحل لجدلية الحرب والسلام في دولة الجنوب، فكل شيء على أسنة الرماح وفوق لهيب النار، ويبدو أي طريق يقود نحو السلام محفوفاً بالخطر مزروعاً بالألغام والعبوات السياسية الناسفة، كما قلنا : الله وحده يعلم متى تنتهي معاناة شعب الجنوب؟
الانتباهة