نقطة ضعف الحكومة
اهتمت حكومة المؤتمر الوطني منذ مجيئها بتغيير وتعديل القوانين حتى تتوافق مع مصلحتها وليس المصلحة العامة، فقامت بتوسيعها أو تضييقها أو تغييرها حتى لا تتقيَّد بها، فهي نقطة ضعفها الالتزام بالقوانين لدرجة أن أصبحت الدولة تعيش في حالة من الفوضى المستمرة واختفت دولة القانون التي وجدتها عندما استولت على الحكم، وهي أحد أهم أزمات السودان الحالية، فكل مسؤول في الحكومة لديه نهجه الخاص الذي يعتمد على قراراته الشخصية لتسيير الأمور، فدمَّروا كل المؤسسات وأصبحت اليوم تقف عاجزة عن القيام بدورها فتوقفت الدولة عن التطور والتقدم ونهشها الفساد.
أكثر القطاعات التي تظهر فيها الفوضى الناتجة عن تجاوز القوانين هي الخدمة المدنية، ولا اعتقد أنني بحاجة لأن أشرح ما الذي حدث ويحدث فيها حتى أصبحت مؤسسات الدولة مجرد شركات خاصة تتبع للمسؤولين وعائلاتهم وقبائلهم.
الحكومة لديها كم سنة وهي تتحدث عن إصلاح الخدمة المدنية، ولكنها لا تتقدم في الأمر قيد أنملة، لأن الإصلاح يحتاج إلى تطبيق القوانين و نقطة ضعف الحكومة تكمن في تطبيق القوانين، فهي أن فعلت لن تستطيع البقاء، لأن حينها سيظهر الخبيث من الطيب والأخيار من الأشرار.
عندما عُيِّن دكتور أحمد بابكر نهار وزيراً للعمل والإصلاح الإداري عند تشكيل المؤتمر الوطني لحكومته الأخيرة المبنية دائماً على الترضيات والمؤامرات والتحالفات السيئة، قال أنه سيحسم الانفلات في الخدمة المدنية بتطبيق القوانين، ومنذ ذلك الوقت سكت ولم يعد يبشر بشيء جديد وما زال الانفلات (يردح) في الخدمة المدنية، بالرغم من أن قوانينها الموجودة أصلاً قادرة على حسم أي انفلات وفوضى، ولكن حتى لا يكون هناك قوانين تحسم الانفلات والفوضى (إستراتيجية الحكومة المفضلة) ها هي تضع حداً لمن يريد أن يفعل من وزراء التحالفات والترضيات الذين قد يهديهم ضميرهم لفعل شيء، فقد أجاز مجلس الوزراء قانوناً جديداً للخدمة المدنية للعام 2016 يحجمهم.
ومع أننا لم نطلع على القانون بعد ولكن يمكننا أن نجزم صادقين بأنه لن يكون أفضل من القديم، ولم يتم تغييره إلا لتضع الحكومة بديلاً يحافظ على الفوضى التي تفضل العيش فيها، فهي لم تطبق القانون القديم أصلاً ولم تعمل به فكيف أدركت عدم صلاحيته لتقوم بتغييره ؟ .
القانون الجديد أنشأ الجهاز القومي للإصلاح والتطوير الإداري وحدد واجبات واختصاصات وسلطات ديوان شؤون الخدمة، ونص على واجبات العاملين ورتَّب إجراءات النقل والإعارة والانتداب، كما حدد كيفية إجازة الهياكل التنظيمية والوظيفية على المستوى القومي والولائي، وبهذا تكون حكومة المؤتمر الوطني قد فصَّلت القانون على مقاسها وقننت التمكين لتظل ممسكة بالأماكن المهمة التي يمكن من خلالها الإبقاء على الفوضى وبما يتوافق مع مصلحتها وليس المصلحة العامة، وهكذا تكون قد وضعت حداً للإصلاح في الخدمة المدنية الذي لن يحدث إلا في ظل حكومة قادرة على تطبيق القوانين ومؤمنة بها، وغداً سوف تثبت الأيام أن قانون الخدمة المدنية 2016م، ما وضع إلا ليتوافق مع حكومة المؤتمر الوطني بشكلها القبيح المعروف.
اسماء محمد جمعة
التيار