عثمان ميرغني

هدايا.. (سعادتو..)!!


في مطار الخرطوم، كنت أقف بكل احترام أمام (كاونتر) خطوط الطيران أنتظر دوري لشحن حقيبتي واستلام بطاقة صعود الطائرة..
يفصلني عن موظفة الخطوط راكب واحد هو مثلي ينتظر إكمال إجراءات راكب آخر (غير عادي).. راكب مميز بكلمة (مهم جداً) فهو هناك في صالة الـ (VIP) لكنه أرسل حقائبه هنا لإكمال إجراءات الشحن..
انتظرنا عشر دقائق.. ثم عشرين.. ثم نصف ساعة.. ثم ساعة كاملة.. والموظفة مشغولة جداً بإجراءات الراكب المهم..
شاب ملابسه الرسمية تدل على وظيفة (علاقات عامة).. وخلفه رجلان آخران يساعدانه.. يشرفان على عملية تمرير حقائب الشخصية الـ (VIP)..
والله لم أكن لأهتم بالمشهد لولا أن السيد المُهم جداً مطبوع اسمه على كل الحقائب بالكمبيوتر وبخط كبير.. (فلان الفلاني.. وزير الدولة بوزارة…..)..
استمرت إجراءات شحن الشخصية المهمة لأكثر من ساعة وطابور المسافرين خلفه ينتظرون وبعضهم يصرخون.. في نهاية الأمر لم تجد موظفة الخطوط حلاً سوى إيقاف إجراءات الشخصية المهم لبعض الوقت.. ومُحاولة تمرير بعض الركاب الآخرين..
المُهم؛ أتاحت لنا الموظفة فرصة إكمال إجراءاتنا في (فاصل ونواصل) خلال إجراءات شحن حقائب الشخصية الدستورية الرفيعة..
أكملت إجراءاتي، لكن لم يكن ليفوتني تسجيل المشهد.. لمحت أحد المشرفين على شحن أمتعة الوزير يبتعد قليلاً من الكاونتر.. فلحقت به وسألته (هو.. سعادتو مسافر وين؟؟).. ابتسم وأخبرني بكل سعادة اسم المدينة الأوروبية الجميلة.. شجّعتني ابتسامته فواصلت (سعادتو دا شايل مائة شنطة فيها شنو؟).. الرجل مُلم بالتفاصيل ردّ عليّ (شوية هدايا)!!
الحقيقة لست حاسداً ولا ناقماً من حكامنا المُعلقين بين السماء والأرض لا يستقبلهم مطار الخرطوم إلاّ ليودعهم في رحلة أخرى.. لكن الذي يُثير متعة الدهشة عندي.. سؤال ملحاح.. ألا يشعرون هم – سادتنا الساسة – بالحسد والغيرة والغبن مما يرونه في تلك العواصم التي يتمتعون فيها بعطلاتهم أو (مأمورياتهم)؟
عندما يتمتّعون بنعمة النزهة في شوارع نظيفة.. لا تُعاني من أسراب النفايات.. والأسواق المنظمة المرتبة.. والمرافق العامة التي تشرق ببهجة احترام المواطن وتقديس حقوقه..
لا حرج.. فليتمتّع ساستنا بالسفر على حسابنا لكن في الأسفار ست فوائد (سابقاً خمس).. الفائدة السادسة هي استثارة الغيرة الوطنية.. وشحذ الخيال الحضاري لنحتذي بالأمم والمُدن التي يزورونها مُحمّلين بعشرات حقائب الهدايا من حُر مال فقرنا المُدقع..
بعد حوالي أسبوع من الغياب عن الوطن في رحلة خارجية بصراحة اكتشفت أننا لسنا خلف العالم بألف خطوة فحسب.. بل نحن نجري سريعاً عكس عقارب الساعة.. عكس الزمن..!!
قضيت الأسبوع الماضي كله في زيارة عمل لدولة تركيا.. زُرت ثلاث مدن العاصمة أنقرا ثم جنوباً إلى “كونيا” وأخيراً إسطنبول درة التاريخ والمعاصرة..
تركيا رغم عمق التاريخ والأصالة لكنها ناهضة تقفز بسُرعة لتكون قوة عُظمى بمعايير عالم اليوم..
سأحكي لكم.. لكن لأنّ مساحة العمود لا تسمح.. سأسرد لكم التفاصيل في مقالات خلال الأيام القادمة في الصفحات الداخلية إن شاء الله..

التيار