توجيهات رئاسية بحسم التجاوزات “رواتب الموتى”.. الولاة في اختبار حوسبة “الأجور”
بدا نائب رئيس الجمهورية حسبو محمد عبد الرحمن خلال مخاطبته ملتقى المعلومات الرابع عشر بمدينة ربك أمس الأول، حريصاً على توجيه تحذير شديد اللهجة إلى جميع ولاة الولايات، بالإسراع في حوسبة الفصل الأول بنهاية العام الحالي، في خطوة اعتبرت تأكيداً على مدى جدية الدولة في إكمال عملية الحوسبة المالية التي زادت إيرادت الدولة بنسبة 6% في الثلاثة أشهر الماضية، إضافة إلى حسم ظاهرة كشوفات الرواتب الوهمية التي حملت أسماء متوفين، وأسماء أشخاص تقاعدوا للمعاش منذ سنوات.
وكان نائب الرئيس واضحاً في توجيهه، إذ قال إنه لن يقبل من أي ولاية أقل من حوسبة الفصل الأول بنهاية العام الحالي، وذهب حسبو إلى أبعد من ذلك بقوله: “من لم يلتزم بهذا التوجيه سيكون خارج دائرة المواكبة”، في تعبير رأى مراقبون أنه مرادف لـ “الإقالة”.
فوضى الكشوفات:
في العام 2015، كشف والي الجزيرة محمد طاهر إيلا ــــ المعين حديثاً آنذاك ـــــ عن وجود 142 مرتباً وهمياً مودعة بالبنوك بأسماء عاملين لم يحضر أصحابها لاستلامها بعد أن تمت حوسبتها ومراجعتها وتحويلها ليتم صرفها عبر البنوك. كذلك أشار إيلا إلى ضبط تسع حالات بكشف المرتبات بأسماء متوفين، وأن مرتباتهم كانت تصرف شهرياً. وأضاف الوالي أن المراجعة الداخلية والعامة بالوزارات والمحليات أظهرت أن هنالك حوالي مئة موظف يباشرون مهامهم الوظيفية حالياً رغم عدم وجود مستندات تثبت تعيينهم أو شهاداتهم الدراسية التى تؤهلهم لتلك الوظائف.
وفي ولاية النيل الأبيض أصدر واليها الدكتور عبد الحميد موسى كاشا قرارات تعلقت بأمر صرف المرتبات وحوسبتها ومتابعة الأسماء، وطالب القرار وقتها بعدم صرف المرتبات لغير صاحبها لعدد من الأشهر، وكشفت هذه العملية عدداً من أشكال المخالفات، وأوجد هذا الإجراء حالات كثيرة لمرتبات غير مستحقة، ويبدو أن هذه الأسباب وغيرها جعلت الدولة حريصة على حوسبة الأجور بمتابعة رئاسة الجمهورية في إطار برنامج إصلاح الدولة، ورغم قصر الفترة، إلا أن هذه الإجراءات حققت نجاحات كبيرة تمثلت في زيادة الإيرادات بنسبة 6% في فترة ثلاثة أشهر فقط إضافة إلى تحقيق وفورات مالية في بعض الولايات التي أكملت الحوسبة المالية في الفصل الأول.
جدوى اقتصادية:
ولحوسبة الأجور جدوى اقتصادية كبيرة على اقتصاد السودان، حيث يقول الأستاذ المشارك بجامعة المغتربين الدكتور محمد الناير لـ “الصيحة” إن العائد الاقتصادي من إجراء كهذا كبير جداً على الاقتصاد نسبة لوجود الأموال داخل البنوك مما يزيد حجم الكتل النقدية في المصارف، لأن سحب المرتبات يتم تدريجياً، وليس على دفعة واحدة.
ويضيف الناير أن من شأن حوسبة الأجور، إيقاف فوضى الكشوفات لجهة أن الصرف يتم للشخص نفسه دون غيره، الأمر الذي من شأنه ضبط الأموال وإيقاف تلاعب ضعاف النفوس.
من ناحيته، يشير الدكتور إبراهيم هباني نائب رئيس مجلس الولايات إلى أن الفائدة من الحوسبة تحققت بزيادة 6% في الإيرادات في الثلاثة أشهر الماضية، مؤكداً مساهمة هذا الإجراء في ضبط الإيرادات، وكشف الأسماء الوهمية في الرواتب، وأظهر الصورة كاملة للدولة لمعرفة كل أنواع الصرف المالي.
عقبات وحلول:
قد يبدو عسيراً إجراء هذه العملية الإلكترونية الدقيقة في السودان لأسباب عديدة منها وجود بعض المناطق التي تعيش ظروفاً خاصة لأسباب الحرب، أو بُعد بعض المناطق عن حواضرها حيث وجود شبكة الانترنت والبنوك، وتبقى العقبة الأكبر في مقدرة تعامل المواطنين مع هذه الأجهزة بحيث أنه ليس سهلاً أن تجد الجميع قد تجاوزوا مرحلة الأمية الإلكترونية وقفزوا للتعامل مع (الصرافات الآلية) بين ليلة وضحاها، ولذلك تبقى العقبات كبيرة جداً لتنفيذ هذا المشروع دون إصطحاب كل تلك العقبات للمعالجة، وفي هذا الخصوص، يقول الدكتور إبراهيم يوسف هباني نائب رئيس مجلس الولايات لـ “الصيحة” إن هذه الخطوة تأتي في إطار الإصلاح والضبط، موضحاً أن سياسة التحصيل الإلكتروني جاءت لتكون في أي مكان في السودان لضبط وتوظيف الموارد، غير أن هباني استدرك مشيراً إلى أن هنالك مناطق مأزومة ومناطق كادرها ضعيف، مما يحتاج إلى معالجة هذه المشكلة بالتدريب ومراعاة الظروف الخاصة لبعض الولايات، ويقترح هباني اتمام عملية الحوسبة في المدن وعواصم الولايات على أن تتنزل تدريجياً لبقية المحليات.
وعن تحديد سقف زمني بنهاية العام الحالي لحوسبة الأجور أشار الدكتور هباني إلى أن تحديد السقف الزمني هو لتعجيل عملية الحوسبة مما سينعكس إيجاباً على الإسراع في تنفيذ الحوسبة غير أنه استبعد اكتمال العملية كاملة بنهاية العام الحالي.
أما المحلل السياسي البروفيسور حسن الساعوري فيرى أن عملية نجاح حوسبة الأجور ترتكز على أساسين؛ الأول، وجود معينات العمل الإلكتروني من بنية تحتية وإلكترونية وشبكة الاتصالات.
ويضيف الساعوري لـ”الصيحة” أن المرتكز الآخر هو مقدرة المواطنين أو المتعاملين على التعامل مع أجهزة الحاسوب والصرف الإلكتروني، مشيرًا إلى صعوبة التعامل مع هذه الأجهزة بواسطة جميع المستهدفين، داعياً الحكومة إلى تدريب العاملين.
الخرطوم: محمد أبوزيد كروم
صحيفة الصيحة