سبقتها مخاشنة كلامية بينه ورئيس البرلمان استقالة وزير المالية.. قناعة راسخة أم موقف مرتجل؟
أثارت الاستقالة “المؤجلة” و”المفاجئة” لوزير المالية والتخطيط الاقتصادي بدر الدين محمود أمس الأول، انتباه العديد من المراقبين لدواعي هذه الخطوة، واعتبر البعض عبارة الوزير “والله لن أستمر وزيراً للمالية بعد الموازنة”، رد فعل على الهجوم الشديد الذي تعرضت له وزارته من قبل نواب ورئيس البرلمان، بينما رأى آخرون أن الوزير استبق باستقالته، قراراً بعزله عن منصبه نتيجة التعديلات الوزارية المرتقبة في حكومة “الوفاق الوطني” التي ستشكل في غضون ثلاثة أشهر حسب الوثيقة الختامية لمؤتمر الحوار الوطني.
وواجه “بدر الدين” أمس الأول عاصفة من الانتقادات لسياسات وزارته وعجز طاقمها في معالجة الضائقة المعيشية، ولم يقبل البرلمان مرافعة الوزير التي تضمنت أرقاماً ومقارنات بين الحاضر والأعوام التي تلت انفصال الجنوب، مما استدعى تدخل رئيس البرلمان البروفسير إبراهيم أحمد عمر، لتنبيه الوزير بالحديث عن الأسعار كـ “الخضار واللبن واللحوم” لأن المواطن يكتوي بغلائها، وبعد أن احتدمت المواجهة اضطر وزير المالية لأن يقسم بأنه لن يستمر وزيراً للمالية بعد إيداع موازنة 2017 منضدة البرلمان في ديسمبر المقبل، وتابع قائلاً: “والله والله لن أستمر وزيراً للمالية بعد الموازنة، وفترتي بالوزارة كانت ناجحة وسيكتب التاريخ ذلك”، إلا أن رئيس البرلمان رد على ذلك قائلاً :” تم تعيينك عبر مؤسسات وهي التي تقرر في ذلك”.
توبيخ وترجي:
في مواجهته لنواب البرلمان، تحدث الوزير بلغة الأرقام للدفاع عن سياسات وأداء وزارته، لكن رئيس البرلمان طالب الوزير بالحديث عن الجزئيات الصغيرة مثل: “لحم الناس وخضار الناس وعيش الناس”، وربما فهم البعض أنها المسبب الأساسي لإعلان استقالته مبكرا من منصبه.
وعلى الرغم من الهواء الساخن الذي أطلقه النواب صوب وزير المالية إلا أن بعضهم ترجى الوزير للتراجع عن استقالته مطالبين إياه بالاستمرار لكنه كلما سمع أحدهم يردد حديثاً كهذا رفع أصبعه “السبابة” ملوحاً بالرفض، الوزير لم يكترث حتى لحديث رئيس البرلمان البروفسير إبراهيم أحمد عمر الذي قال للوزير :”تم تعيينك بقرار مؤسسات ولم تعين نفسك لذلك فإن قرار مغادرتك الوزارة سوف يكون بقرار المؤسسات”، إلا أن بدر الدين محمود قال للصحافيين عقب الجلسة إن قرار استقالته نهائي ولن يتراجع عنه وحول مؤسسات الحزب قال :”إنه سوف يعالج الأمر داخل المؤتمر الوطني”.
“تحصيل حاصل”
الشاهد أن مخرجات الحوار الوطني الذي طُويت صحائفه في العاشر من أكتوبر الحالي والتي أفضت إلى ضرورة تغيير الحكومة الحالية بحكومة الوفاق الوطني ليشارك فيها جميع المتحاورين من أحزاب وحركات مسلحة، وربما كان الوزير يعلم عن مغادرته منصبه في الحكومة الجديدة لذلك أراد أن يستبق الجميع في إعلان الاستقالة من داخل البرلمان حتى لا يتهم حال عزله بأنه فشل في إدارة الاقتصاد خلال ثلاث سنوات فترة توليه وزارة المالية، لذلك فإن الاستقالة وإن تم الدفع بها لرئيس الجمهورية عاجلاً أم آجلاً إلا إنها تعتبر تحصيل حاصل في اعتقاد البعض.
استقالة متأخرة:
بينما يرى البعض أن الاستقالة لا طائل من الحديث عنها لأنها تأخرت كثيراً، وفي هذا الاتجاه ذهب عضو البرلمان المستقل مبارك النور في حديثه لـ(الصيحة)، مؤكداً مباركة تحالف النواب المستقلين بالمجلس الوطني لاستقالة الوزير بالرغم من أنها تأخرت كثيراً لأننا كنا نتوقع أن يدفع بها منذ أن قام بزيادة سعر غاز “الطهي” بعد أيام قليلة من إجازة موازنة العام الحالي وبعد أن قطع الوزير أمام البرلمان بعدم زيادة الاسعار طوال العام الحالي، وقال النور إنه في عهد تولي بدرالدين لوزارة المالية تضاعفت الأسعار لعشر أمثالها فكيف يقول بأنه نجح في عدم انهيار الاقتصاد السوداني، بينما وصف الخبير الاقتصادي البروفسير عصام الدين بوب في حديثه لـ(الصيحة) استقالة وزير المالية بـ(الهروب) من المسؤولية، معتبراً تصرف الوزير وتلويحه بالاستقالة من داخل البرلمان تصرفاً لا يناسب مسؤولاً عن وزارة بهذه الأهمية والحساسية.
هروب من المواجهة:
ويرى الخبير الاقتصادي البروفسير عصام الدين بوب أن تلويح وزير المالية لتقديم استقالته ماهو إلا هروباً من مواجهة أسئلة نواب البرلمان حول الوضع الاقتصادي ولأنه فشل في إقناع النواب بما يقوله اضطر إلى التهديد بالاستقالة على الرغم من أن البرلمان ليس الجهة التي يدفع فيها الوزير باستقالته بل عليه تقديمها إلى رئيس الجمهورية لأنه من عينه وزيراً، وهنا يقول عضو البرلمان مبارك النور لـ(الصيحة) أن استقالة وزير المالية ماهي إلا هروباً من تنفيذ توصيات البرلمان لتحسين الوضع الاقتصادي التي دفع بها في ورقة “معاش الناس” ومداولات النواب والخبراء الاقتصاديين التي إن نفذت سوف تحل مشكلة الاقتصاد السوداني بصورة كاملة.
ويواصل بوب في حديثه لـ(الصيحة) واصفاً حديث بدرالدين محمود حول تحسن الوضع الاقتصادي بغير الحقيقي، ذلك لأن الاقتصاد يشهد حالة انزلاق وليس هنالك تحسن فيه منذ تولي بدر الدين محمود للمالية وحتى تاريخ تلويحه بالاستقالة، وقال بوب إـن وزير المالية فشل في إدارة الاقتصاد خلال فترة توليه الوزارة معتبراً ارتفاع قيمة الدولار مقابل الجنيه السوداني وفشل المشاريع الزراعية والأسعار العالية لغالبية السلع، وزيادة الإنفاق الحكومي على الرغم من قلة الموارد الحكومية، معتبراً ذلك تأكيداً على فشل الطاقم الذي يقوده الوزير، قائلاً: “بدرالدين محمود فضل الاستقالة قبل الإقالة” حسب تعليق عبد الوهاب بوب.
بدر الدين يترافع:
البعض عزا لجوء الوزير للتلويح باستقالة من داخل البرلمان للمواجهة التي حدثت بينه ونواب ورئيس البرلمان، حول الضائقة المعيشية، ولأن البرلمان لم يقتنع بالأرقام التي تلاها الوزير حول الاقتصاد السوداني، ورأى النواب إنها تجافي الواقع، ولم يجد الوزير مبرراً آخر يدفع به للبرلمان عن تحسن الوضع الاقتصادي، إلا أن وزير المالية بدر الدين محمود نفى بصورة قاطعة أن تكون “مواجهة” البرلمان سبباً في إعلانه الاستقالة وتابع: “إستقالتي لأنني أريد أن أفسح المجال لغيري وأطالب كل من قدم في الفترة الماضية أن يترجل، لذلك فإن استقالتي ليست ردة فعل لحديث النواب، وأعتقد أن الطاقم الاقتصادي الذي قاد البلاد خلال هذه الفترة أخرج السودان من انهيار اقتصادي كان يتوقعه كثيرون فالتاريخ سيكتب لهم ذلك، لذلك أنا نجحت خلال فترتي في وزارة المالية”.
الخرطوم: صابر حامد
صحيفة الصيحة