ما بين كلام تعبان وعودة الصادق ومعضلة الاقتصاد ..!
كلام «تعبان» بحسب أخبار أول أمس، فإن السيد تعبان دينق النائب الأول لرئيس لدولة الجنوب، أصدر أوامره لحكام الولايات والمقاطعات الجنوبية خاصة المتاخمة للسودان بطرد الحركات والقوة السالبة المناوئة للسودان، وقال في اجتماع بجوبا حضره حكام الولايات الثماني والعشرين، إن دولة الجنوب لن تعبث بأمنها من أجل الآخرين، مشيراً الى أن بلاده بحاجة الى علاقات جيدة مع السودان . ولا يخفي على أحد أن هذا الحديث بالرغم من شكوكنا حول جدية حكومة جوبا على تنفيذه مع حكام ولاياتها، وهو ردة فعل على ما قاله السيد رئيس الجمهورية أمام اجتماعات هيئة شورى المؤتمر الوطني الأسبوع الماضي الذي أمهل فيه حكومة دولة الجنوب حتى ديسمبر المقبل لطرد المعارضة السودانية المسلحة من أراضيها والامتناع عن إيوائها ودعمها . وسبق للسيد تعبان دينق عند زيارته للخرطوم في نهاية أغسطس الماضي بعد أن خلا له منصب النائب الأول للرئيس في جوبا، أنه التزم وتعهد في غضون (21) يوماً ستطرد جوبا كل المعارضين السودانيين وتكف أياديها عن السودان. وهذا ما لم يحدث على الإطلاق، ولم نرَ شيئاً وتوقعنا أن حديث تعبان كان مجرد كلاماً أراد أن يُرضي به سامعيه، ولم تتخذ حكومته أية خطوة إيجابية في هذا الاتجاه رغم الاجتماعات المشتركة للأجهزة الفنية من الجانبين وتمليك الخرطوم كل العلومات المطلوبة والدقيقة جداً لجوبا . السيد تعبان مسكين ومغلوب على أمره .. قرار مثل هذا ليس في يده في الوقت الراهن، ولا حكام ولايات الجنوب في ظل الفوضى يأتمرون بأمره ، فكل شيء بيد استخبارات الجيش الشعبي وقيادة الأركان التي يعبر رئيسها عن طموحه السياسي وعدم اعترافه بالاتفاقية نفسها التي أتت برياك مشار وأجبر على الرحيل والخروج وأتت بتعبان في مكانه .. اذا أرادت حكومة دولة الجنوب علاقات طيبة وجيدة مع السودان، فعليها التنفيذ الفوري للاتفاقيات الموقعة في سبتمبر 2012 م وفي مقدمتها الاتفاقية الأمنية والموافقة على ترسيم الحدود والإسراع في تسهيل عمل فرق المراقبة المشتركة وغيرها من الإجراءات التي تحقق الأمن للطرفين. غير ذلك فهو كلام يذهب مع الريح .. مواعيد عرقوب .. لا ندري لماذا يحاول السيد الصادق المهدي جعل مواعيد عودته وكيفية تحديدها، حدثا ًبهذا الحجم، فعودته من عدمها سواء لدى السودانيين، وبات أمر خروجه وبقائه في الخارج لا غرابة فيه ولا جديد، فلماذا خرج من الأساس ..؟ وماذا أنجز ..؟ وبماذا سيعود..؟. فمثلما خرج السيد الصادق من الخرطوم سيعود إليها..؟ لا جديد عنده ولا نتائج، ويستغرب ويتعجب من يتابع تصريحاته وما يقوله قادة حزب الأمة القومي واللجان التي تقوم وتقعد والاجتماعات في الخرطوم والولايات للإعداد لعودة السيد الإمام المظفرة، فالرجل خرج معارضاً، انضم للحركات المسلحة التي تحمل السلاح وقطاع الشمال بالحركة الشعبية، وحضر كل اللقاءات والاجتماعات المتكررة لما يسمى بنداء السودان في باريس وأديس وجعل من القاهرة متكأ له، رغم ذلك طوال عامين من هذا التجوال بين عواصم ثلاث أو أربع، لم يعد السيد الإمام الى الخرطوم على رأس دبابة او لاندكروزر محملة بالمدافع في معية الحركات المسلحة وهي تطيح بالنظام القائم .. ولم تتحق له الثورة الشعبية التي كانت ستقتلع الحكومة الحالية من جذورها لتعيده وحزبه الى كراسي الحكم ..ولم تتهيأ الجماهير لاستقباله حين يسقط النظام كما فعلت الجماهير الإيرانية عند عودة الخميني من منفاه الاختياري في (نوفل لو شاتو) قرب باريس .. والسيد الإمام الصادق مغرم بالتجربة الخمينية ويحلم بتحقيقها . والطريف إن المواعيد المقترحة لعودة السيد الصادق ويحمل على ظهره خيبات المنفى الاخياري وعدم تحقيقه شيئاً في (هجرته) الى الخارج، هي مواعيد فيها مقدار ضخم من الأفكار الساذجة، فقد اختار له أعوانه في الحزب موعداً سابقاً في (21 أكتوبر) لتكون العودة متزامنة مع ذكرى ثورة أكتوبر التي أطاحت بأول نظام حكم عسكري، ولم يتحقق له ولهم ذلك، ثم اختار هو ومن معه موعداً آخر هو (19ديسمبر) المقبل ليتوافق مع ذكرى إعلان الاستقلال من البرلمان1955م .. لماذا يصر السيد الصادق وما تبقى من حزبه على ممارسة العمل السياسي بهذا التفكير الصبياني الهش؟ .. الوضع الاقتصادي لا خلاف داخل الحكومة وخارجها عن الصعوبات الجمة التي تواجه الاقتصاد ، ولم تتغير لغة المسؤولين الاقصاديين في السودان منذ أكثر من أربعين سنة، قبل أيام في مطالعة لأرشيف الصحف بدار الوثائق، اتضح أن نفس العبارات والتبريرات وذات المنطق واللسان لم يغير منه شيء، فالمتغير الوحيد هم الأشخاص الذين تولوا مقعد وزير المالية، وللأسف أزمتنا الاقتصادية تحتاج إلى رؤية أوسع من التي نراها ونحسها ونعرف نتائجها وآثارها، وكنا نظن أن وزارة المالية بخبرات موظفيها وتراكم تجربتها لديها الحلول الموضوعية لكل أدواء الاقتصاد، لكن الواقع يكذب ذلك، فعدد من رؤساء الإدارات المهمة في هذه الوزارة جاءوا من خارجها بتعاقدات خاصة لم يتدرجوا في الوظيفة ولم يتوفروا على معلومات كافية، ولمعلومات والوسائل الدقيقة المبنية على الخبرة الفنية الطويلة كانت هي الأنجع، فالوزارة باتت تعتمد على رؤية منقوصة في كثير من الجوانب المهمة مع الاختلال الهيكلي للاقتصاد، فضلاً عن كون الوزير يعبر عن الآراء الفنية الدقيقة بلسان سياسي نصيبه من الخيال والإقناع ضئيل وقد سار على نهج كل الوزراء الذين سبقوه خلال الأربعين سنة الماضية . لقد سئمنا من الحديث عن المصطلحات وعن ضعف الإنتاج والأسباب الأخرى التي تقال في كل مرة، ونحن دولة تمتلك موارد هائلة وثروات مهولة، كيف نهضت بلدان فقيرة ليس فيها مورداً واحداً ولا تمتلك 1% من الذي نمتلكه من موارد طبيعية وبشرية، العلة تكمن في كيفية إدارة الاقتصاد الوطني ووجود قيادة على رأس القطاعات الاقتصادية تملك الإلهام والملهمات التي اهتدت إليها دول مثلنا فنهضت ..
صحيفة الإنتباهة