عبد الباقي الظافر

من الحب ما قتل..!!


ردد عامر ذات السؤال الذي طرحه على محاميه، ما الفرق بين أن أموت الآن أو بعد شهرين..عامر لم ينكر أبداً أنه قتل زوجته سابرين..حاول كل محاموه أن يبنوا دفاعهم على إنكار التهمة، أو في أقل تقدير أنها جاءت في إطار الدفاع عن النفس..الشاب السوداني الذي احتفل في ذات ليلة الجريمة بدخوله العام الثاني والعشرين، كان مقتنعا أنه فعل ما كان يجب أن يفعله اي إنسان في تلك الظروف ..كان دائماً يرجو القاضي أن يعجل بتنفيذ حكم الإعدام.
حاول عامر أن يرى الدنيا عبر النافذة الصغيرة في حبسه الانفرادي في العاصمة الماليزية ..لا شيء غير ضباب خفيف وبنايات شامخة تسد الأفق..ضحك الشاب بسخرية وحدث نفسه عن غباء المهندسين الذين نفذوا تلك المباني العابرة للازمان..ماتت الأنفس وبقيت الحجارة..إذن النفس ليست أغلى من الحجارة..لماذا يحاكمونه على قتله تلك الفاجرة..يظنون انني سأمضي إلى الجحيم وهم لا يدركون رحمة الله التي وسعت كل شيء.
حينما فشل عامر في أن يرى الحاضر أو يستشرف المستقبل عبر تلك النافذة عاد بذاكرته إلى تلك الأيام..لم يكن أبداً يرغب في دراسة الطب..صحيح أن والدته ضغطت عليه بقوة..مارست عليه كل النفوذ العاطفي..كان عامر الولد الوحيد الذي يتوسط بنتين ..لم يعد بين والده وبلوغ سن المعاش إلا خمس سنوات..ستضطر الأسرة إلى ترك السعودية إن لم يتمكن من حمل الراية.
في أطراف مكة ولد وترعرع عامر في ظروف ميسورة..كانت أصعب وأمتع أيام حياته حينما يزور جزيرة الفيل مسقط رأس والدته..في تلك البلدة يشعر بطعم جديد للحياة معطون بالمشقة وشظف العيش ..دائماً كان قلبه معلق بالمساجد ..يترك كل الدنيا حينما يسمع النداء ..قبل أن يبلغ الحلم حفظ كتاب الله..كان يخطط لأن يدرس أصول الدين ويصبح داعية..لكن أمه تحديداً قطعت عليه الطريق ..بذلت كل المساعي في أن ينجح في الثانوية في المساق العلمي..في المحاولة الثانية تمكن أن يحرز درجة فاقت الستين بالمائة بقليل.
وصل عامر إلى بلاد الملايو، وهو للتو قد غادر الثامنة عشرة ..كان عليه أن يقضي عامه الأول في تجويد اللغة الإنجليزية ..بحث عن شقة تجاور المسجد..استصحب نصيحة والده معلم الرياضيات أن يبحث عن الرفقة الحسنة أو يعيش وحيدا..في يوم الجمعة وعلى باب المسجد قابلته سابرين ..لاحظ أنها كانت للتو تضع غطاءً للرأس كانت تحمله معها..تصدقت عليه بابتسامة.. خفض بصره ولكنه استشعر أن تلك الابتسامة مضت مباشرة إلى قلبه..لم يصل بالتركيز المعتاد..كان يخشى ألا تقابله صاحبة الابتسامة ..ظن أنه سيهديها إلى طريق الصواب.
حسب انه أسرع في الخروج من المسجد ولكن وجد فتاته في الانتظار..من تلك اللحظة بدأ مشوار حب طويل..الشابة سابرين التي بدت صغيرة في عمرها كانت تكبره بثلاثة أعوام ..جربت كل شيء في الحياة ..لديها طفل هرب والده بعيد ميلاده بعام..أخيراً قررت العودة لإكمال الجامعة التي تركتها بعد عام واحد..قال لنفسه يجب أن تكون البداية على الوجه الشرعي، فكان الزواج بعيد اسبوعين في ذات صلاة الجمعة.
منذ الشهر الأول بدأت تتباين العوالم..ماليزيا تبدو شرقا يشبه الغرب وهكذا كانت سابرين.. تمارس الدين في شهر رمضان، وحينما تدخل المسجد ما خلا عن ذلك فهو دنيا..عامر كانت وجهته مختلفة ..ينظر باستغراب إلى هذه الدنيا الجديدة..لم يحب من الدنيا الجديدة إلا سابرين هذه..كان حبا عنيفا..خطط أن يعود بها إلى مكة بعد إكمال الدراسة ولكن.
بدأت المشكلة في تلك الليلة حينما جلبت سابرين بعض من البيرة الباردة من أجل المحتفين بعيد ميلاد زوجها..لم يكن من اليسير إقناع عامر بالاحتفال بهذه المناسبة التي عدها من البدع..لكن سابرين ضغطت عليه بشدة ..وضع عدداً من الشروط التي تجاوزتها سابرين بمكر النساء .
بدا الحفل صاخباً على غير ما أراد عامر..حاول أن يسيطر على مشاعره لبعض الوقت ..اصطنع ابتسامة وهو ينفخ هواءًا ساخناً ليطفيء شموعاَ باهتة ..بدا فاصل من الرقص الساخن ..رأى في سابرين امرأة أخرى.. كانت تتلوى مثل الأفعى وسط مجموعة من الشباب العابث..أمسك احدهم بكأس مرره إلى صاحبة الدار وهى مازالت في ذاك الغياب..حينما ارتشفت رشفة ..ارتفع مستوى الغضب في دواخل عامر إلى درجة الانفجار.
أمسك عامر زوجته من شعرها المسدل وجرها من وسط الاحتفال ..بعدها حدث هرج ومرج وضجيج.. معركة بين رجل يفترض أن يكون في كامل وعيه وسكارى كانوا حضوراً في عنفهم، رغم واقع الغياب..حينما حضرت الشرطة كان هنالك عدد من الجرحى ..سقطت سابرين وشهد الجميع أن تلك كانت مدية زوجها الإرهابي.

اخر لحظة