ساعة الفطور
قد لا تكون محظوظاً بل من الذين يلازمهم النحس دائماً في هذا الزمان الملفوف بثوب الشفافية والربط بالشبكة العنكبوتية (الطاشة) أو الكهرباء (القاطعة)، بل ساعة الفطور وخروج الموظفين دون رقيب أو حسيب، بل قد تتم (الزوغة) بدون عودة، وهي بمثابة تأشيرة خروج نهائي من العمل الذي محاسب عليه.
وقد يقال لك من باب المجاملة والتستر: “والله الزول دا طلع الفطور تعال ليهو بعد ساعة كدا”. وتمضي الساعة وتضاف إليها الأخرى وكل ذلك لأجل بسط الراحة لوجبة الإفطار والقهوة والشاي، وشوية ونسة، وعند السؤال يقال لك: “والله طلع يجيب الأولاد من المدرسة وأظن أنه سوف يأخذهم للمنزل لتفاجئه زوجته بأنه نسي بعض الأغراض منها (حافظة) الرضيع، فما عليه إلا بالرجوع مسرعاً حتى لا يُغضب رفيقة عمره دون التفكير في أصحاب المعاملات الذين يتردون يوميا أملاً في إنهائها”.
وإن كانت تلك واحدة، ولكن غير هذه المرة ذاك المبنى العالي الجميل بجمال حسناواته، وهن يتوزعن في مجموعات صغيرة داخل المكاتب المزينة بورق الحوائط المزركش، وهواء المكيفات البارد يضرب على خدودهن، وهن يجلسن جلسة صفاء وقد وضعت أمامهن صحون الإفطار من الزبادي والفول والكبدة والعدس والخبز الفاخر، أجهزة الهواتف الغالية الثمن وضعت على طاولة الإفطار التي تسيل لعاب الجائع المسكين، وإن كان الخبز يتلاعب ما بين أصابعهن الرقيقة التي أُخضبت بالحناء.
وقف يتأمل الموقف.. لا أحد ينظر إليه، الكل مشغول.. إنها ساعة (فطور).. عليك بالانتظار أو الانسحاب جلس على كرسي وثير، فغالبه النعاس، وذلك من شدة التعب والإرهاق وسهر الليل مع (الموية) التي دائماً ما تهرب خلسة من قلب الحنفية والحي كله، وتسللت ساعة وتقدمت الأخرى بدقائق، وما إن طرقت أصوات أطباق الفطور سمعه مسح على عينيه متكاسلاً “معليش شالتني نومة وإنتو في ساعة الفطور.. عندي الورقة دي عايزة ختم بس ممكن”.
أطلقت إحداهن إجابة: “انت ممكن تصبر لغاية ما نشرب الشاي وبعدين نشوف ليك حكاية الختم دي”.. لم يجد طريقاً غير العودة لمقعده ليرمي عليه جسده ويغمض عينيه، وهو يتمتم بكلام غير مفهوم.
وللمرة الثانية تمضي ساعة وتتعبها أخرى ليستيقظ على صوت كبابي الشاي “معليش.. برضو شالتني نومة وإنتو كنتو في ساعة الشاي.. ممكن تختموا لي الطلب دا”! فكانت الإجابة..”والله الماسكة الختم فطرت وشربت الشاي وطلعت وانت كنت قاعد في الكرسي.. لكن تعال بعد أسبوع لأنها حتكون في دورة تدريبية”.
صرخ بأعلى صوته: “معقول يا ناس.. ساعة فطور وساعة للشاي وساعة للواتساب وأسبوع دورة تدريبية.. نحن وين.. خلاص دفنا الخدمة المدنية وضاع كل شيء”.
إنها الحقيقة حتى وإن صرخت فقد تغير كل شيء.. فهي ساعة للفطور والشاي والواتساب.. من يحاسب من؟ فقط عليك بالصبر والانتظار، وتعاود التردد من الحين والآخر، لعلك تجد من تناول إفطاره مبكرا في بيته، ولا يمتلك هاتفاً ذكياً، وهو غير متزوج حتى لا يكون منشغلاً بأطفال المدرسة والرياض.
عبد الوهاب السنجك
اليوم التالي