الحكومة استحسنت “وعي الشعب وقبوله بالقرارات” الإجراءات الاقتصادية… “الزيادة” هل تُفقد “الوطني” بعض حلفائه؟
ما إن استفاق الناس صبيحة السبت الماضي على حزمة الإجراءات الاقتصادية الموصوفة بـ”القاسية”، التي طبقتها الحكومة، حتى طفقوا – أي الناس – يبحثون عن البرلمان الذي يفترض أن يكون المدافع عنهم، ويدفع عنهم شرور الجهاز التنفيذي. وأيضاً بحثوا عن الأحزاب الموالية للحكومة، ليعرفوا موقفهم من زيادة الأسعار، خاصة أن بعض تلك الأحزاب تزعم أن وجودها في الجهاز التنفيذي يهدف إلى خدمة المواطن بالدرجة الأولى، وإنهاء سيطرة المؤتمر الوطني على مصير الدولة.
على غير العادة
يبدو أن القرارت الحكومية الأخيرة تعيش حالة من العزلة، وأنها تعبر بشكل دقيق عن موقف المؤتمر الوطني، ذلك أنها – أي القرارات – لم تجد دعم القوى الموالية للحكومة، على نحو ما كان يحدث في القرارات السابقة. حيث أبدت الأحزاب المشاركة في الحكومة مواقف جديدة مُغايرة للصمت الذي مارسته حيال قرار رفع الدعم عن المشتقات النفطية في سبتمبر 2013م، وهو ما أثار – حينها – موجة من السخط في أوساط قواعدها التي اتهمت القيادات العليا بأنهم شاركوا في الحكومة بحثاً عن المناصب. وبناء على ذلك أعلنت القواعد تمردها على مواقف قياداتها المؤيدة لتلك الزيادات.
الآن يبدو الوضع مختلفاً، حيث تمترست أكثرية الأحزاب الحكومية في خندق الشعب الذي ابدى تذمرا ورفضا لقرارات الحكومة برفع الدعم عن المحروقات وزيادة أسعار الكهرباء للقطاع التجاري. واتفقت غالبية الأحزاب الحكومية عدم أخذ مشورتها في القرار، وقالت إنها تعبر عن المؤتمر الوطني لوحده باعتباره صاحب الأغلبية فيما سارع بعض هذه الأحزاب بتشكيل لجنة لدراسة الموقف وأخرى أعلنت رفضها ومقاومتها للسياسات الاقتصادية الجديدة التي توسعت دائرة الجدل حولها، ما يعني أن هذه الأحزاب استفادت من التجربة السابقة التي أدخلتها في حرج مع قواعدها، فيما فسر متابعون مواقف بعض حلفاء الحكومة من الأحزاب بأنها تأتي في إطار تقسيم الأدوار بينها وبين الحزب الحاكم كمحاولة لامتصاص الغضب الشعبي حتى لا تتكرر تجربة سبتمبر التي لاتزال آثارها باقية وتحاول الحكومة محوها.
وكان الحزب الاتحادي الأصل سباّقاً لإعلان موقفه الرافض للقرار الحكومي برفع الدعم. بل إن الاتحاد أعلن التمرد على القرار بتشكيل لجنة لمقاومة السياسات الاقتصادية الجديدة التي نفى مشاركته فيها، مشددًا على أن الحزب الحاكم لم يشاروهم حولها.
موقف مربك
وفي خطوة لم يتوقعها كثيرون أعلن حزب المؤتمر الشعبي موقفاً مناهضاً لقرارات الحكومة، ودفع برأي شديد اللهجة بخصوص حزمة السياسات الاقتصادية التي نفذتها الحكومة مؤخراً. ومكمن الغرابة في أن الشعبي مال بمواقفه كثيراً ناحية غريمه التقليدي المؤتمر الشعبي بعد مفاصلة امتدت خمسة عشر عاماً. ورأى المؤتمر الشعبي أن القرارات “جلبت السخرية لمخرجات الحوار الوطني وصورتها بأنها جاءت لتبرير سياسات المؤتمر الوطني الأحادية كعادته”.
واعتبر رئيس القطاع الاقتصادي بالمؤتمر الشعبي د. بشير آدم رحمة في مؤتمر صحفي أمس أن الزيادات الأخيرة التي طبقتها الحكومة على أسعار المحروقات والكهرباء والدواء جاءت في توقيت غير مناسب إذ انها نُفذت قبل شهرين فقط من نهاية موازنة العام 2016 الأمر الذي ترتب عليها خيبة أمل للشعب الذي استبشر خيراً بمخرجات الحوار الوطني بوضع حل لمعالجة مشكلات الاقتصاد والعلاقات الخارجية مع المجتمع الدولي والإصلاح السياسي والذي بدوره يتيح إنهاء الحصار الاقتصادي وإعفاء الديون وفتح الباب لمجال الاستقطاب والاستثمار على حد تعبيره.
وأكد رحمة أن هذه الإجراءت افتقرت إلى الشفافية والمصداقية من دون توضيح الصيغة التفصيلية من قبل الحكومة لحجم الدعم وقنوات الصرف المتوقع الذهاب إليها وأوجه صرفها، ما دعا إلى أن تكون محط تهكم وسخرية لدى الشعب من مخرجات الحوار وكأنما جاءت هذه المخرجات لتبرير سياسات الحزب الحاكم المؤتمر الوطني.
المسجَّل يناهض
وعلى ذات النسق الرافض، جاء موقف الحزب الاتحادي الديمقراطي المسجل وهو حليف حكومي راسخ وقديم، فقد أكد رئيس كتلته البرلمانية أحمد علي أبوبكر رفضهم قرار رفع الدعم عن المشتقات النفطية وزيادة أسعار الكهرباء، وقال لـ(الصيحة) أمس: “لم تتم مشاورتنا حول القرارات، وتمت إجازتها من قبل الجهاز التنفيذي دون علمنا. وهدد أبوبكر بالتصويت ضدها في حال إدخالها قبة البرلمان لإجازتها. وأضاف: سنقف ضد القرارات لتأكيد موقف الحزب المنحاز لجماهيره، وزاد أبوبكر أن الدفع بهذه القرارات للبرلمان لإجازتها بعد تطبيقها أشبه (بالجس بعد الذبح) على حد تعبيره.
وفي ما يُشبه التأكيد على موقف الاتحادي “المسجل” أعلن نائب رئيسه بولاية الخرطوم وممثله في اللجنة الاقتصادية في الحوار د. محمد أحمد الجالب أن المكتب السياسي لحزبهم سيقعد اجتماعاً لاتخاذ قرار مؤسسي بشأن السياسات الاقتصادية الجديدة، وقال الجالب لـ(الصيحة) إنهم يرون أنها جاءت سابقة لأوانها وكان الأولى إرجاؤها لتتسع حولها المشاورات في حكومة الوفاق الوطني المنبثقة عن الحوار. ورأى “الجالب” أنه من الأوجب أن تسبق هذه الإجراءات حزم اقتصادية لمعالجة الأزمة المعيشية الناجمة عن الزيادات السابقة، ومن ثم تطبيق الزيادات الجديدة التي اعتبرها كبيرة على وضع المواطن المعيشي المتدهور خاصة أنها تصل إلى نسبة (35%)، وزاد: لا أعتقد أن هناك حزباً سياسيا له جماهيره يقر مثل هذه الزيادات في ظل الأزمة الاقتصادية الطاحنة الماثلة الآن.
توقيت غير مناسب
من جانبه أكد الأمين السياسي لحزب مؤتمر البجا د. محمد المعتصم عدم استشارتهم في شأن الزيادات الأخيرة وأبان معتصم لـ(الصيحة) أن رؤيتهم التي قدموها لمؤتمر الحوار الوطني تلخصت في أن الإصلاح الاقتصادي لا يتحقق بالتجزئة وإنما يتم في سياق معالجة القضايا الأخرى وفي مقدمتها القضية السياسية مشيراً إلى أن هذه القرارات يمكن أن تُتخذ في سياق تنفيذ مخرجات الحوار الوطني بما يقلل من آثارها، وأشار إلى أن حزبهم كون لجنة لدراسة أثر هذه القرارات في بعدها الاقتصادي .
وبصورة تطابقت مع حديث الأمين السياسي لحزب مؤتمر البجا د. محمد المعتصم فإن مسؤول الملف الاقتصادي بالمؤتمر الشعبي بشير آدم رحمة، أشار إلى أن تحرير سعر الصرف قد ورد ضمن مخرجات اللجنة الاقتصادية للحوار الوطني وهو إجراء الهدف منه تشجيع الصادرات وتحفيز المغتربين في ذلك لتحويل مدخراتهم عن طريق البنوك والمساعده على استقطاب الاستثمار الأجنبي وقال إن تنفيذ مثل تلك السياسات يحتاج إلى وقت في ظل شح احتياطات البنك المركزي من النقد الأجنبي التي تمكنه من ضبط السوق دون اللجوء للإجراءت الأمنية حتى لا يحدث خلل في الاقتصاد وتكون نتائجه زيادات كبيرة في الأسعار وارتفاع معدلات التضخم وفي ذلك لا بد من أن يرتبط تحرير سعر الصرف بتحجيم الاستيراد وخاصة السلع غير الضرورية للإنتاج وأن يوجه عائد العملة الأجنبية لتوفير السلع الضرورية واستجلاب مدخلات الإنتاج بكافة الأنواع (زراعي – صناعي – علمي)، لأن تحرير سعر الصرف دون ارتباطه بحزمة اقتصادية تشجع الإنتاج ليس إلا إجراءً إدارياً ولن يؤدي للاستقرار المالي وقال إن ذلك ما ظلت تمارسه الحكومات المتعاقبة منذ أول تخفيض للجنيه في حقبة مايو منتصف سبعينيات القرن الماضي ودرجت عليه الحكومات المتعاقبة حتى الآن، وقطع “بشير” بأن ادعاء وزير المالية برفع الدعم عن السلع المذكورة في الإجراءات الاقتصادية الأخيرة لا يعدو أن يكون فرية لجأت إليها الحكومة لتبرير سد العجز في الموازنة بالطرق السهلة، أي بتحميل المواطن ذلك بدلاً من خفض الإنفاق الحكومي خاصة وأن الجهاز التنفيذي والإداري المترهل وعدم سد الفساد المستتر الذي يبدد المال العال في غير وجهته.
في خط الدفاع
الشاهد أن بعض الأحزاب الحليفة للحكومة لا تزال ترى في مثل هذه القرارات أملاً لإنصلاح الحال، وترى أن الطريقة التي تمت بها اعتيادية، وقريباً من هذا يرى رئيس حزب الأمة الوطني عبد الله علي مسار أن هذه الإجراءات الاقتصادية أجازها مجلس الوزراء وأعلنها وزير المالية في مؤتمر صحافي وليس بالضرورة تتم استشارتهم فيها. وقال لـ(الصيحة) إن حزبه في مرحلة مدارسة لتقييم أثر هذه القرارات على المواطن والسياسة الكلية على الاقتصاد الوطني، بيد أنه عاد ولفت إلى أن رؤيته كرئيس للجنة الزراعة بالبرلمان هي أن الزيادة على الجازولين سيكون لها أثرها على المنتجين في الزراعة والرعي وفي معينات الترحيل وستنعكس على أسعار المنتج محلياً وكذا المستورد بارتفاع تكلفة الترحيل.
زيادة غير مجدية
وبالعودة إلى رئيس القطاع الاقتصادي بالمؤتمر الشعبي د. بشير آدم رحمة، نجده صوب انتقاداته الحادة أيضاً على زيادة الأجور والمرتبات التي أعنلتها وزارة المالية وقال إنها لا تفي بمتطلبات العاملين ولا تغطي الزيادات التي طرأت على الأسعار والخدمات ولا يستفيد منها إلا شريحة قليلة من المواطنين لا تتجاوز 7% من جملة الشعب السوداني المنتشر في المدن والأرياف والذي يرفد الإنتاج القومي الإجمالي بأكثر من 70%.
مشدداً على أن الإصرار على إنفاذ هذه الإجراءات والتي تمت دون المشورة مع أحزاب الحوار تزعزع وتضعف الثقة في التزام حزب المؤتمر الوطني في تنفيذ مجمل مخرجات الحوار الوطني التي تبناها على مرأى ومسمع الجميع وقال إن ذلك يزيد الاحتقان ويعيد الإجراءات الأمنية الاستثنائية ويعطي الممانعين وحملة السلاح مبرراً في أنه لا جدوى من الحوار مع المؤتمر الوطني، مطالباً بتجميد الإجراءات المتعلقة بزيادة سعر المحروقات والكهرباء والدواء خاصة الزراعية والصناعية لصغار المنتجين وأصحاب الورش والحرفيين بالإضافة إلى إحالة الأمر إلى لجنة من الاقتصاديين لوضع خطة عاجلة قبل اعتماد الموازنة الجديدة سعياً لمعالجة مشكلة الاقتصاد الكلي استناداً على المخرجات الاقتصادية لمؤتمر الحوار الوطني في تناغم مع الجوانب السياسية والإدارية وتحفيز الإنتاج وترشيد الصرف الحكومي، على أن تعرض اللجنة ما خلصت إليه على الهيئة العليا لمتابعة تنفيذ مخرجات الحوار الوطني لإجازة برنامج اقتصادي لحكومة الوفاق الوطني المزمع تكوينها مطلع العام القادم.
باقون في الحوار
ونفى بشير آدم رحمة أن يكون موقفه الرافض لحزمة السياسات الاقتصادية الأخيرة، نكوصاً أو ارتداداً عن الحوار الوطني الذي اعتبر أن مخرجاته أضحت ملزمة ما يجعل المؤتمر الشعبي يستبعد فرضية الانسحاب من الحوار بيد أنه تأسف على عدم استشارة حزب المؤتمر الوطني لهم في هذه القرارات. وأشار إلى أن (الشعبي) حزب محاور ولن يذهب بعيداً بتغيير توجهه السياسي بالتعاون مع أحزاب أخرى تدعو إلى التظاهر والخروج للشارع وإسقاط النظام بالقوة، إلا في حال نكوص المؤتمر الوطني نفسه عن وثيقة الحوار الوطني، ولفت بشير إلى أن مفهوم الشريعة الإسلامية ليس تنفيذ أحكام السرقة والزنا بل هو قضاء حوائج الناس قائلاً “إن هناك فقراً في الرأي والهمة والعزيمة بالدولة وهو ما جعل الإنتاج ضعيفاً “مطالباً بفتح باب التبرعات لصالح تمويل مشروعات بالدولة ولو على حسابات سندات آجلة تضمن لرجال الأعمال استرداد أموالهم ولو بعد عشر سنوات ومتوقعاً أن تكون حزمة السياسات الاقتصادية نتيجة مجموعة ضغوط مورست على السودان من جهات خارجية، في إشارة إلى نصيحة قدمها صندوق النقد الدولي للحكومة السودانية مؤخراً. وطالب “بشير” بعدم الالتفات لوعود المؤسسات الدولية بدعم السودان حال تعويم الجنيه السوداني، وشدد على ضرورة ضبط حركة أموال الدولة في الوزارات والمؤسسات الحكومة من الضرائب التي تمثل 7% من عائدات الدولة وإيقاف دعم الاتحادات والمنظمات التي اعتبرها جزءاً من ترهل الخزينة ومحاربة الاستثناءات والمحسوبية والمفاضلة وإعادة هيكلة الخدمة المدنية (حتى لا تودي السلطان في داهية) الامر الذي قد يساعد على تخفيف الأعباء عن السودان وخاصة الديون الخارجية والتي بلغت 46 مليار دولار.
ضد تيار “الشعبي”
وفي موقف يبدو مناهضاً لموقف حزبه المؤتمر الشعبي، رأى د.عمار السجاد أن تحرير السلع كإجراء مطلوب، ووصفه بأنه “شيء طبيعي وفطري”، وطالب السجاد بإكمال الإجراءات الأخرى والتي من ضمنها إطلاق الحريات، مشيراً إلى أن تحرير أسعار السلع دون إطلاق الحريات “استهبال وضعف”. ودعا السجاد، المسؤلين بالدولة للتقشف وتخفيض مخصصات الوزراء بنسبة 30%، وقال إن “الاقتصاد (معسم) بشركات الدولة لأنها عاملة (ألفه) وكنترول على السوق في كل المجالات”، وتابع “لا يمكن للحكومة أن تحرر السوق وتحتفظ بشركاتها”.
من أجل المواطن
وبدوره، أكد النائب الأول لرئيس الجمهورية بكري حسن صالح، أن حزمة الإصلاحات التي أعلنت عنها الدولة أخيراً جاءت لحفز الإنتاج والمنتجين لتحقيق مصلحة المواطن.
إلى ذلك، قال وزير المالية والتخطيط الاقتصادي بدر الدين محمود، إن الإجراءات الاقتصادية التي تم الإعلان عنها جاءت بغرض إزالة التشوهات في الاقتصاد ووضعه في المسار الصحيح.
وثمن الوزير وعي الشعب السوداني وتقبله لحزمة الإجراءات الاقتصادية. وأشار إلى أن نظام الحافز يفتح الباب واسعاً أمام القطاع الصناعي، إلى جانب إعادة التوازن في سد الفجوة الداخلية.
الخرطوم: الطيب محمد خير – الهضيبي يس
صحيفة الصيحة