ماذا تعرف عن أم كلثوم السعودية؟
ابتسام لطفي الكفيفة، التي أبصرت النور بصوتها، هي الريحانة التي نمت بين صخرتين على سفوح جبال “الهدا” الشاهقة، حيث يسكن الرذاذ والمطر فغطى عبقها أرجاء المكان، ابنة الطائف المأنوس التي حول الراحل طلال مداح اسمها من “خيرية قربان” إلى “ابتسام لطفي”، صوتها كان يصب الجمال صباً على أرواح سامعيه يأسرنا فننحاز إليه ونصبح زاهدين فيما سواه، استطاعت “بسمة” أن تدير أعناق عمالقة غناء الزمن الجميل إليها، وأن يدوزن المستمعون العرب مواعيدهم في السبعينيات حسب توقيت صوتها، الذي كان يسري عبر الأثير مزاحماً أم كلثوم وأسمهان وسيدات الطرب العربي.
ابتسام تعتبر ظهورها كأول صوت نسائي سعودي عبر الإذاعة أهم حدث في حياتها، وبعد مسيرة 19 عاماً توارت فجأة عن المشهد، فظن بعضهم أن زهرة اللوتس اختنقت بعبيرها، ورغم طول المسافة بين الرحيل والعودة إلا أن ذاك الرحيق لم يجف في عنقها، ومازالت الفراشات موعودات بارتشاف الندى المعتق كل صباح من بتلّاتها.
لقاء السحاب
في بداية السبعينيات أهداها الشاعر أحمد رامي قصيدة “الوداع”، التي تستعر معانيها بجمر الشوق واللهفة، وتعكس حالة عاطفية صادقة مر بها الشاعر الكبير بعد أن قضى في جدة (3) أشهر، وفي يوم سفره طلبت وداعه فلم يستطع وداعها، وروت ابتسام لطفي قصة هذه القصيدة للزميل علي فقندش في “عكاظ” قائلة: “يوم سفره وعودته إلى القاهرة قلت له كما تقول أم كلثوم في يوم وداعه دائماً: “مش ناوي تودعني، وأكد في رده ما يقوله لها دائما.. قال لي: أنا ماعرفش أودع.. قلت ح أزعل؟ قال: سأبعث لك رسالة.. لأني لو ودعتك ح أوقع من طولي وغادر”، وبعد هذا الموقف الذي يعبر عن نفسه بـ(7) ساعات بعث لها رامي بقصيدة مع الشاعر طاهر زمخشري يقول في أبياتها:
كنت لي مؤنساً وكنت سميراً
فإذا بي في وحشة وانفراد
أقطع الليل ساهراً وحراماً
أن يذوق المحب طعم الرقاد
هذه الأغنية لحنها الموسيقار رياض السنباطي، ولم يتوقف التعاون بينهما عند هذه الأغنية بل إن رامي الذي أطلق عليها “كوكب الجزيرة” كتب لها أيضاً قصيدتين بعنوان “بعد الحبيب” ولحنها الموسيقار محمد الموجي، و”لوعة” لحنها أحمد صدقي، واستطاعت بفضل عبقريتها الموسيقية اختراق الطوق المفروض على الثلاثي الذي صنع مجد الأغنية المصرية (رامي، السنباطي والموجي).
وأيضاً من المحطات المهمة غناؤها من كلمات الشعراء الكبار إبراهيم ناجي، وطاهر زمخشري والأمير عبدالله الفيصل، والأمير بدر بن عبدالمحسن، وعبدالله الجارالله وفائق عبدالجليل وإبراهيم خفاجي وسعد الخريجي، ونخبة من الملحنين مثل فوزي محسون، وطارق عبدالحكيم، وجميل محمود، وعمر كدرس، ومطلق الذيابي، وسراج عمر وعبدالعظيم محمد.
ربع قرن من العزلة
الوداع والرحيل سمة خاصة ارتبطت بأغنيات ابتسام لطفي دون أن يعد الوسط العدة لذلك، حيث في عام 1988 ابتعدت سيدة الأغنية السعودية عن المشهد الفني، وعزت ذلك لوفاة والدتها الداعمة الأولى لها، وهو نفس العام الذي غاب فيه الفنان فوزي محسون، رحيل الأم هز حياتها على المستوى الإنساني والفني وبعد هذا الرحيل تعرضت لضغوط أبعدتها عن الوسط، وشكل رحيلها فراغاً في وجدان الأغنية، وعلى مستوى الأصوات النسائية الخليجية لم يملأه أحد رغم كثرة الأصوات التي مرت ولكن جميعها لم تكن تتوازى مع قيمة وقوة حضور “أم كلثوم” الصغيرة كما يسميها الشاعر أحمد رامي.
ولأن الفن حالة جمالية لا يستطيع الإنسان الهروب منها وإن حاول فبعد غياب دام ربع قرن فاجأت في نوفمبر 2013 جميع الأوساط بعودتها عبر إذاعة “صوت الخليج” في حلقة احتفائية واستثنائية شارك بها الفنانون عبادي الجوهر وعلي عبدالكريم وطلال سلامة وشهدت مداخلات من بعض رواد الأغنية الخليجية.
العربية نت