مرتب رئيس البرلمان..!!
البروفسير إبراهيم أحمد عمر رئيس المجلس الوطني (البرلمان) بعث إلينا أمس الأول برسالة تبدو (غريبة!!).. كشف مفصل لمرتبه و مخصصاته السنوية.. ومبعث (الغرابة) في رسالته.. أن زميلاً دستورياً آخر للبروف.. عندما حاول البعض جس نبض راتبه ثار وهاج وماج غضباً.. رغم أن راتبه يدفعه الشعب السوداني من حر مال فقره المدقع..
وأذكر.. قبل عدة سنوات.. انشغلت الصحافة السودانية بمساجلات وضجة حول مخصصات الدستوريين.. فكتبتُ هنا في “حديث المدينة” أنصح زملائي الصحفيين أن لا يقعوا في (الفخ).. ولا يضيعوا وقتهم.. فهي (غير منتجة) كما يقول القضاة خلال جلسات سماع القضايا..
الشعب السوداني لا يهمه كم يتقاضى الدستوري من مخصصات.. فالعبرة بما يؤديه من عمل وليس الرقم الذي يوقّع عليه في كشف المرتبات.. فما فائدة دستوري يعمل مجاناً لوجه الله لا يتقاضى قرشاً واحداً من الخزينة العامة.. وفي المقابل لا يقدم عملاً مفيداً.. وما هو الضرر من دستوري يتقاضى راتباً مليارياً كل شهر.. ان كان ما يؤديه للشعب وللوطن مشهود عليه بأعلى مما يأخذه بكثير..
نشرنا هنا في الصفحة الأخيرة للتيار.. من أرشيف العهد الحزبي الثاني في الستينات.. كيف أن وزيري المالية والخارجية رفضا استلام بدل السكن وأعاداه إلى الخزينة لأنهما يقيمان في منزليهما.. وشهد الجميع على عفتهم وطهارة أيديهم من المال العام آنئذ.. لكن يبقى السؤال المر الجارح.. ماذا كسب السودان من ذلك العهد السياسي.. صفر كبير لا زلنا نتجرع علقمه حتى اليوم..
يتحدث البعض كثيراً عن أن الرئيس الأسبق جعفر محمد نميري (رحمه الله) عاش قانعاً بلا طمع في رغد الجاه الرئاسي.. ومات في بيته في ود نوباوي بلا أملاك أو قصور.. ولم يتهمه أحد في ذمته قط.. كل هذا جميل وصحيح.. لكن ماذا قدم نميري لشعب السودان؟ الرد على السؤال يستلزم استعادة مشهد الملايين الذين خرجوا في الشوارع صباح السادس من أبريل عام 1985.. لماذا هتفوا ضده؟ لماذا أجبروه على حمل لقب (الرئيس المخلوع)؟ بل وأقوى من ذلك كله ماذا قال نميري لشعبه في خطبة الوداع قبل سفره الشهير إلى أمريكا.. تلك الخطبة التي استثارت كرامة الشعب السوداني كله.. عندما سمع رئيسه يأمره ( من كان يأكل ثلاثة وجبات.. فليأكل اثنتين.. ومن كان يأكل اثنتين فليأكل واحدة..).
يُشكر البروف إبراهيم أحمد عمر على شفافيته ومبادرته بكشف تفاصيل مخصصاته.. لكن هل كنا نفرح لو تنازل عنها كلها.. لمجرد أنه وفر لنا بضع عشرات من آلاف الجنيهات.. دون أن نحسب صحائف البرلمان.. السلطة التشريعية والرقابية..
الواقع أن البرلمان لا يحوز على ثقة الشعب.. لم يقدم ما يثبت أنه راغب وقادر على ممارسة مستقلة عن السلطة التنفيذية.. بل يظهر البرلمان دائماً تابعاً كسيفاً حسيراً ينفذ رغبات ما تأمره به السلطة التنفيذية..
رئيس البرلمان – حتى ولو تنازل عن مخصصاته- يتحمل وزر الأداء في البرلمان.. هنا المحك…!!
المحك في ما يقدمه المسؤول لوطنه وشعبه.. لا في مرتبه..
صحيفة التيار