عثمان ميرغني

فجيعة.. ركاب الدرجة الأولى..


حديث المدينة الاثنين 21 نوفمبر 2016

إذا زادت شركات الطيران أسعار التذاكر فإن المواطن السوداني يخسر مرتين.. مرة بطوعه.. وأخرى أفجع رغم أنفه. وكانت أخبار راجت عن زيادات مهولة في أسعار تذاكر الطيران قد تصل إلى ثلاثة أضعاف بعد تحرير سعر الصرف..

أما خسارة المواطن بطوعه فهي إذا احتاج السفر للخارج فسيدفع غرامة باهظة لا قبل له بها.. أما خسارة المواطن رغم أنفه فهي أن المسافرين (الحكوميين) الذين يسافرون من جيب المواطن الفقير، لن يتوقفوا عن أسفارهم بالسعر الجديد ولو تضاعفت عشر مرات.. فيدفع المواطن أضعاف ما كان يدفعه في الماضي لتمويل السفر الحكومي..

هذا البند في المصروفات الحكومية لا أحد يسأل عنه.. رغم أنه بدرجة مذهل مفجع.. فالوفود الحكومية لا تمل الترحال.. لا يعدمون سبباً وحجة للسفر.. والمؤتمرات الدولية لا تتوقف يوماً واحداً.. وفي بعض الأحيان يسافر الوفد بعد انتهاء الفعالية التي تحجج بها.. فتصبح رحلة تسوق شخصية وسياحة..

من ضمن هذه السفريات الشهيرة.. رحلة الشتاء والصيف إلى جنيف لحضور جلسات اللجنة الدولية الخاص لحقوق الإنسان.. يسافر فيها جيش جرار.. وأشهر منها السفرية الدورية إلى واشنطون للمشاركة في اجتماعات البنك الدولي.. فقد لفت نظري مسؤول رفيع أنه لاحظ أن الوفود العربية الخليجية رغم الثراء لكن زيارتهم لا تزيد عن يوم أو اثنين لحضور الجلسة الرئيسية المهمة.. بينما هواة السفر والمؤتمرات بكل همة يصلون قبله بأسبوع ويغادرون بعده بأسبوع..

قبل فترة قصيرة أحد المسؤولين سافر لحضور مؤتمر دولي في بلاد بعيدة.. خلال الجلسات أحس بحرج شديد.. إذ أن المؤتمر فني في تخصص لا علاقة له به.. فوجد نفسه (زي الأطرش في الزفة).. لكن لا بأس فطالما أن مخصصات السفر الدولارية لا تتأثر.. فالصبر واحتمال الصمت المحرج ليس مشكلة..

أنا شخصياً لي تجربة.. دعيت لمؤتمر إعلامي دولي في عاصمة أجنبية.. في الفندق ألتقيت بمسؤول حكومي لا علاقة له بالإعلام من قريب أو من بعيد.. سألته باستغراب كيف تلقى الدعوة للمؤتمر.. فوجئت به يروي لي قصة عجيبة.. انه لم يتلق دعوة لكنه قرأ عن المؤتمر في الانترنت فأرسل إلى منظميه وألح عليهم لدعوته على أن يتحمل هو تكاليف السفر والفندق وبقية المصروفات.. وطبعاً .. كل ذلك خصماً على حساب المواطن السوداني المغلوب على أمره..

ولم تنته القصة هنا.. قال لي إنه لن يعود للسودان مباشرة لأنه سيسافر مباشرة إلى عاصمة اسيوية بعيدة لحضور مؤتمر آخر حصل على دعوته بنفس الطريقة..

والأفجع.. أنهم لا يسافرون إلا بالدرجة الأولى..!!

صحيفة التيار