الصادق الرزيقي

نوايا بوث الطيبة ..!!

> فيما رشح من أخبار أن المبعوث الرئاسي الأمريكي دونالد بوث في آخر أيام الإدارة الديمقراطية التي يمثلها، قال في اجتماعاته مع بعض كبار المسؤولين إنه قادر على إقناع قيادات قطاع الشمال بالحركة الشعبية وبقية القوى والحركات المعارضة التي تحمل السلاح، بالانخراط في عملية السلام والانضمام لقافلة الحوار الوطني، وزاد على ذلك بإشاراته عقب عودته من زيارة مهمة قام بها لولاية جنوب كردفان، بأن الحرب لن تستمر أكثر من ذلك وفرص التسوية مواتية أكثر مما مضى .

> إن صح ذلك، فهو مجرد كلام. فمنذ متى كانت واشنطن حريصة على تحقيق السلام في البلاد، فطوال فترة حكم الديمقراطيين الذي استمر لثماني سنوات، ومنذ تولي السيد دونالد بوث مهمته في (السودانيين) لم يحرص على تقريب شُقة الخلاف بين الأطراف السودانية المتحاورة في منبر إديس إبابا، بل كان في كل الأحوال والجولات يتبنى مواقف الحركة الشعبية قطاع الشمال، ويعبر عن قناعاتها، ويردد نفس الأحاديث التي يقولها قادة قطاع الشمال بالحركة الشعبية .

> ولم يبدِ السيد بوث أية مساعٍ حثيثة وفاعلة لإنهاء حالة الحرب الدائرة في جنوب كردفان، ولعل زيارته الأخيرة قبل يومين لمحلية البرام واستماعه للمواطنين تُعد الأولى من نوعها ،لكنها لن تشفع له وسيظل هو ومكتبه وسياسات الإدارة الأمريكية العقبة الرئيسة التي أعاقت تحقيق السلام في البلاد .
> والسبب أن السيد بوث في تعاطفه وعدم حياده كان يبعث الرسائل الخاطئة التي أسهمت بصوة مباشرة في إطالة أمد الحرب، ولو كان مبعوثا ًمحايداً ونزيهاً وحريصاً لما استمرت الجولات التفاوضية حتى بلغت ثلاث عشرة جولة رسمية وأخريات كن في الخفاء غير معلنات وغير سافرات وحاسرات الرأس .
> يعلم المبعوث الأمريكي، إن أيامه قد انقضت ولم يتبقِ له إلا أيام معدودات ويفارق هذا الملف، فرغم خبرته الدبلوماسية السابقة وهي خدمة طويلة، لم ينجز شيئاً يستحق عليه الثناء، فلا هو حرك ملف رفع العقوبات عن السودان قيد أنملة ولم يسهم بشكل وافر فيه، فالجهود التي بُذلت في هذا الملف والتخفيف الطفيف الذي طرأ في بعض الجوانب غير الأساسية في موضوع العقوبات تم بآليات وطرق أخرى ، لم تسجل فيها ولا مبادرة واحدة لمبعوث البيت الأبيض .

> نخشى أن تكون هذه المغازلات للخرطوم والتصريحات او الأقوال من وراء الحيطان وداخل الغرف المغلقة سببها الرئيس، محاولة خداع السودان ودفعه للعمل بلا مقابل لحل الأزمة الطاحنة التي تضرب جنوب السودان وتكاد تقضي على الدولة الوليدة، فنحن لم نتعود من مبعوثي الإدارة الأمريكية إلا التمويه والخِدع الذكية والمماطلة وأحياناً الغطرسة واللامبالاة، وهذه المرة يسعى السيد بوث إلى إعطاء بصيصاً من الأمل المعاق ليوهم الحكومة والرأي العام السوداني إنه سيعمل على ختام مهمته بإنجاز تاريخي له .

> لو كان بوث صادقاً لما انتظر كل هذه الفترة حتى شارفت إدارته على الانصراف .. هل بسبب غياب المعلومات ؟ أم أن الصورة لم تكن واضحة بكل تفاصيلها و إطارها لدى موفد البيت الأبيض..؟ كلا هو يملك كل المعلومات ويعرف كل الحقائق لكنه كان متواطئاً مع قطاع الشمال وحركات دارفور إن لم يكن هو المحرض الرئيس لهذه المجموعات المسلحة لتواصل قتالها .

> لقد خسرت واشنطن كل رهاناتها في المنطقة، راهنت على دولة الجنوب فسقط الرهان سقوطاً مدوياً ومخجلاً ومُفجعاً، راهنت على حركات دارفور وقطاع الشمال وعلى نجاحهم وقدرتهم على إسقاط الحكومة فطاش السهم وخاب المسعى ولم تحصد إلا الهشيم، ووضعت كل آمالها في أن يكون الوضع الاقتصادي وصعوباته هو الضربة القاضية لنظام الخرطوم ليتهاوى كما أعاد القصب، ففشل هذا الرهان أيضاً ..وعقدت آمالها على تحالفات قوى في الإقليم تستطيع أن تضيق الخناق على السودان، فتأبَّى عليها إقناع دول الإقليم بمؤامراتها .. الآن لم يبقَ أمام بوث سوى أن يقول إنه أخفق ويريد أن يودعنا وداعاً حسناً يقول فيه إنه كان يحمل نوايا طيبة ..!

صحيفة الإنتباهة