فك الخط
وجود أعضاء أميين في البرلمان لم يكن أسوأ ما ورد في تقرير صحافي متميز، أعده الزميل عطاف عبد الوهاب في الزميلة (الصيحة)، لأن الأسوأ انحصر في ارتفاع عدد أولئك النواب.
* كتلة مكونة من (109)أعضاء أميين، تؤهل أصحابها لأن يصبحوا ثاني أكبر كتلة برلمانية بعد كتلة الحزب الحاكم.
* نحن لا نستغرب تسرب من لا يحسنون (فك الخط) لأعلى سلطة تشريعية في بلادٍ تفوق نسبة الأمية فيها (31%) بحسب إحصائيات صادرة من جهات رسمية.
* لكن الطبيعي أن يضم أي برلمان شخصيات مستنيرة، تمتلك الخبرة والدراية، وتتوافر على رصيدٍ فكريٍ ورؤى متقدمة، تعينها على تطوير وطنها، سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وأمنياً، وتساعد على أداء الدور المنوط بالبرلمان، في مراقبة أداء الجهاز التنفيذي وتقييمه وتقويمه وسن التشريعات وإجازة القوانين وتعديلها وما إلى ذلك من مهام.
* كيف يمكن لأي عضو برلماني أن يضطلع بكل تلك المهام وهو لا يحسن القراءة والكتابة؟
* كيف سيتمكن من متابعة وتقييم التقارير المكتوبة التي ترد للبرلمان من مجلس الوزراء والوزارات الاتحادية وحكومات الولايات وبقية أجهزة الدولة، وهو يجهل الأبجدية؟
* سبق لنا أن تناولنا تلك القضية المهمة، وذكرنا أن دستور السودان الانتقالي حدد الشروط الواجب توافرها في أعضاء البرلمان، وأجملها في متطلبات بسيطة، تنحصر في أن يكون المرشح سودانياً، يفوق عمره واحد وعشرين عاماً، ملماً بالقراءة والكتابة، سليم العقل، ولم تسبق إدانته في جريمة تتعلق بالشرف أو الأمانة!
* تساءلنا وقتها: هل تكفي الشروط المذكورة لتأهيل برلماني ناضج، يؤثر إيجاباً على مجتمعه، ويفتي في قضايا مهمة، بل مصيرية تحدد حاضر السودان ومستقبله؟
* التقدم لشغل أبسط وظيفة في أي شركة خاصة أو عامة يتطلب شروطاً عديدة، تتعلق بالشهادات الأكاديمية والخبرات العملية والمؤهلات النوعية والدورات التدريبية الإضافية والمهارات الخاصة.
* شروط أصعب ألف مرة من الواجب توافرها في أعضاء البرلمان بالسودان.
* كيف يتم تبسيط الشروط بتلك الطريقة المخلة، لتفتح الطريق للعديد من عديمي الكفاءة، وقليلي الخبرة، والأميين كي يتربعوا تحت قبة البرلمان؟
* في ما مضى كانت تلك الشروط كافية ومقنعة، لأن رجالات الإدارة الأهلية كانوا أوفر حكمةً وأبعد نظراً من نظرائهم في الوقت الحالي.
* وقتها كان السودان كله محكوماً بالإدارة الأهلية، التي كانت تمتلك سطوةً كبيرة، وتأثيراً لا تخطئه عين على كل مناحي الحياة، قبل أن يضمحل تأثيرها، ويخفت صيتها، وتتلاشى سطوتها، وتتلاشى الفوارق بين ناظر القبيلة، وناظر المحطة، وناظر المدرسة.
* آن الأوان لتعديل الشروط التي تحكم الترشح للبرلمان، بإدخال نصوص جديدة، تحوي تفصيلاً للمؤهلات الواجب توافرها في نواب الشعب، كي نضمن وصول أصحاب الخبرات والكفاءات النوعية للهيئة التشريعية.
* ما لم يتم ذلك فستبقى الهيئة التشريعية ضعيفة الأثر، متواضعة الأداء، وسيظل البرلمان تابعاً مطيعاً للسلطة التنفيذية، وفاقداً للقدرة على أداء دوره طالما أن ربع عضويته لا تحسن فك الخط.
مزمل ابوالقاسم – للعطر افتضاح
صحيفة اليوم التالي