محو الأمية .. البرلمانية
في وقت مضى كانت برامج محو الأمية من أعمال الحكومة، وكانت لها إدارة تابعة لوزارة التعليم، وكانت لها اشعارات وأغاني ، والحكومات التي تعاقبت منذ عهد عبود والديمقراطيات المؤودة وفترة حكم المرحوم جعفر نميري، وبغض النظر عن سياسات هذه الحكومات إلا إنها وبفعل جودة وتميز الخدمة المدنية في أغلب هذه العهود، نجحت هذه الحكومات المتعاقبة في محو أمية ( %60 ) من المواطنين، اللذين لم يكتفوا بفك الخط و محو الأمية الأبجدية، بل ذهب بعضهم إلى المدارس والجامعات، ولا يزال الناس يتذكرون قصة الذي عمل خفيراً في إحدى الجامعات، وتدرج من محو الأمية ليصبح أستاذاً في الجامعة بدرجة دكتور، كان مخيباً للآمال بدرجة كبيرة أن تتحدث الحكومة عن عدد الخريجين، دون الحديث عن توفير وظائف لهم، طبيب يعمل على أمجاد، محاسب يسوق رقشة، ماجستير ادارة أعمال يعمل سائق تاكسي، هذه التجربة صمدت تحت أنظمة مختلفة ديمقراطية وعسكرية شمولية، وانتجت قيمة مضافة في تطوير الحياة في المدن والأرياف وساعدت على زيادة الإنتاج في تلك الفترات !
خبر صادم كشفت عنه صحيفة الصيحة في العدد ( 817 ) بتاريخ 15 ديسمبر 2016م ، تقرير أعده الزميل عطاف عبد الوهاب أكد على وجود عدد ( 109 ) من نواب المجلس الوطني أميون، لا يجيدون القراءة والكتابة، النائبة البرلمانية عن حزب المؤتمر الوطني د. عفاف عبد الرحمن أقرت بحدوث تجاوزات في الترشيحات وبررت الأمر باعتبار إن بعضهم قادمون من مناطق تعاني من الحرب، وإنهم الأفضل حينما يقارنون مع رصفائهم في تلك المناطق من حيث المستوى التعليمي، وهذا يعني إن كل تلك المناطق ترزح تحت ظلام الأمية، أما النائب أبو القاسم برطم فقد سخر من الرقم ( 109 ) نائب أمي، قائلاً ( أن عددهم يتجاوز 109 نائب )، متساءلاً ( عن الفرق بين البروفسيرات والأميين نظراً للمارسة السياسية التي تدور داخل القبة ).
هكذا ووفقآ للأرقام فإن (%30 ) من نواب المجلس الوطني أميون، وهم بهذه النسبة يمثلون ( %31.8 ) من إجمالي الشعب السوداني أميون ويبلغ عددهم ( 9,691,000 ) تسعة مليون وستمائه وواحد وتسعون الفاً حسب تصريح السيد محمد حماد الأمين العام للمجلس القومي لمحو الامية بتاريخ 16 سبتمبر 2013م و أثناء الاحتفال باليوم العالمي لمحو الأمية ، في اغسطس 2015م لم يتغير الوضع حيث وصف السيد عبد الحفيظ الصادق وزير الدولة بوزارة التربية والتعليم إن النسبة لم تتغير بعد سنتين من إطلاق مشروع لخفض عدد الأميين بنسبة ( %10 ) ، ولا توجد أي معلومات عن تغير هذه النسبة في نهاية 2016م .
لا شك إن هذا الوضع مثير للقلق وهو يعكس صورة خطيرة جداً لنشاطات ( 10 ) مليون سوداني يعادلون ثلث سكان البلاد، وتأثيره في تدني الانتاج وتفشى الفقر وانتشار الأمراض المعدية، وهو وصمة عار فى جبين المسؤلين الحكوميين، التنفيذيين منهم و التشريعيين، المادة (86)/1/د من الدستور الانتقالي لسنة 2005م تنص على شروط أهلية عضو الهيئة التشريعية القومية (أن يكون ملماً بالقراءة والكتابة) ،وجاء في قانون الانتخابات القومية لسنة 2008م المادة (52) / د ( ان يكون ملماً بالقراءة والكتابة)، وهو شرط من شروط الأهلية كما نص الدستور وقانون الانتخابات، وعدم توفره يعني سقوط الأهلية تلقائيآ.
هذا الوضع المخالف للدستور يقدح في كل الأعمال التشريعية التي قام بها المجلس الوطني في وجود هؤلاء النواب الأميون، ومن الناحية الدستورية فهو يسقط كل الأعمال التي تداول فيها المجلس وأصدر بها قرارات أو اشتملت على إجازة قوانين، ليس خافياً إن هذا الأمر ينطبق على التعديلات الدستورية التي جرت في عام 2015م، فهي ساقطة قانوناً وذلك لفقدان الأهلية ،
هذا كان ممكنآ من الناحية الشكلية قانوناً لو صدر به مرسوم دستوري أو قانون خاص يتيح أهلية الأمي لعضوية المجلس الوطني، وهذا لم يحدث، عليه وجب على السيد رئيس المجلس الوطني إعمال الدستور ولائحة المجلس واسقاط عضوية النواب الأميين، وإعطاء المجلس إجازة لمراجعة نتائج أعمال المجلس شاملة القرارات والقوانين التي اجيزت في هذه الفترة ، وإعادة عرضها على المجلس (بدون الأميين)، واتخاذ كل الاجراءات الواجبة للتحفظ على نتائج أعمال المجلس بما فيها التعديلات الدستورية، هذا المجلس بهذه التشكيلة فاقد للشرعية بنص القانون والدستور، و توجب حله احترامآ للدستور وهو القانون الأعلى للبلاد، هذا إن كانت هذه البلاد يحكمها الدستور ؟
ماوراء الخبر – محمد وداعة
صحيفة الجريدة