19 ديسمبر .. بين احتفالات الاستقلال ودعوات العصيان
مياه كثيرة جرت تحت قبة البرلمان خلال 61 عاماً منذ الاستقلال من التاج البريطاني، فقبل الإعلان الرسمي توافقت القوى السياسية متنازلة عن مصالحها الحزبية الضيقة، وأُعلن الاستقلال من داخل البرلمان بتاريخ 19/11/1955م، ولم يمض وقت طويل على هذا التوافق بين الأحزاب والمكونات السياسية التي انتهجت نهج التداول السلمي للسلطة فيما بينها عقب الانفكاك من نير الاستعمار.
المؤسسة العسكرية، كان لها راياً مغايراً، لتتوالى المكايدات السياسية ويستمر التسابق على كراسي السلطة عن طريق الانقلابات ـ الثورات ــ النابعة من الجيش بايعاز أو تخطيط و رعاية من بعض القوى السياسية.. بين تداول العهود، ديمقراطية وعسكرية، انقضت الجبهة الاسلامية على السلطة في العام 1989 ــ ثورة الانقاذ الوطني ــ التي أكدت ان بلادنا لمتزل تدور داخل الحلقة الجهنمية.
يرى سياسيون أن إعلان الاستقلال من داخل البرلمان جاء متعجلاً، ودون استعداد القوى السياسية لمرحلة ما بعد رحيل المسعتمر، ودللوا على ذلك بالأزمات التي تلاحق في السودان منذ رحيل المسعتمر وحتى الآن.
بعض المراقبين يحمّلون النخبة السياسية مسؤولية الفشل في إدارة البلاد.
بين دعوات الحوار ــ الوثبة ـ والاحتفال بالاستقلال، ارتفعت أصوات موازية، تنادي بعصيان مدني كوسيلة للتعبير عن الرأي ومحاولة لتغيير الواقع، فهل تنجح دعوات العصيان أم تحتفل الحكومة بهذه المناسبة، في هذا اليوم الذي كان يوماً مشهوداً في مسيرة النضال الوطني؟
مفاهيم جديدة
في الاجابة على هذا السؤال، تقول رئيس الحزب الليبرالي ميادة سوار الدهب: “رغم عظمة ذكرى الاستقلال، إلا اننا لم نخرج عن الدائرة المظلمة التي نتواجد بها الآن، فالأزمة السودانية ممتدة ولم تبارح مكانها، حيث لم نستطيع إرساء دعائم الدولة بما يتوافق مع طبيعة المجتمع، وعجزنا عن إحداث استقلال حقيقي وبناء مشروع وطني. وتوافق دعوة العصيان مع احتفالات الاستقلال ترسل رسالة بأن هنالك مرحلة جديدة في الطريق باراداتنا كسودانيين بعيداً عن دوائر النخب المغلقة ولصالح الشـعب، بذهنية شبابية مختلفة ثائرة على كافة المسلمات.
وتضيف سوار الذهب: “قطعاً مبادرة العصيان لديها ما بعدها، خاصة وإنها نمت عن رغبة حقيقية للتغيير، وبغض النظر عن نجاحها أو خلافه تظل نقطة فاصلة في التاريخ الحديث، وفيها تفوق على المنظومة السياسية”.
ودعت سوار الدهب الى بناء مشروع وطني جديد على أسس ومفاهيم هادفة مبنية على حركة الوعي الوطني مع استصحاب مفاهيم العصر وثقافته.
مفاوضة سياسية
من جهته يرى القيادي بالمؤتمر الشعبي أبوبكر عبد الرازق، أن الاستقلال لم يكن انتصاراً في معارك عسكرية، ودحراً للمستعمر، بقدر ماكان مفاوضة سياسية استطاعت اقناع الحكومة البريطانية بعدم جدوى الاستعمار، لأن السودان بالغ التكليف وقليل الفائدة، وتوافقت الرغبة الوطنية مع ذلك، أي أنه لم يكن تحريراً حتى يتم رفع شعار (التحرير قبل التعمير)، وعند الإعلان لم يكن هناك استعداد أو تصور وتخطيط لما بعد الاستقلال، حيث لا يوجد النظام السياسي المنشود ولا الكادر المؤهل، وبدأ وقتها الترنح في المواقف، وتجنح الأحزاب واشتعال وتيرة الصراع السياسي والفشل في إدارة البلاد.
ويقول القيادي بالمؤتمر الوطني ، مسؤول منطقة أم درمان في ثورة 1989م اللواء معاش محمد الخنجر ، أن تحرك الانقلابيين لايأت إلا بعد تردي الأوضاع الأمنية وتضجر الشارع، وعند قدوم الإنقاذ ساد الخوف من خيار فصل الجنوب، والذي يترتب عليه الكثير من الخسائر آنذاك، بوجود شماليين بممتلكاتهم، وبالتأكيد التخوف في عهد الإنقاذ ليس كما السابق.
ووصف الخنجر ما كان يحدث الترهل الإداري، مشيراً الى اعتماد الكثير من الولايات والمحلياتى على ميزانيات مقدرة من المركز.
وأعاب اللواء على الحكومة سياسة الترضيات ، وقال : “ من المفترض إلا يكافأ كل من حمل سلاح، بل يفترض توجيه أموال الدولة للتنمية حتى لا تصبح القضية رهانات على المكاسب والمصالح”.
ويمضى الخنجر الى القول: “الضائقة المعيشية أزمة حقيقية، والدولة تتحمل جزءًا منها، و هناك عوامل داخلية وخارجية تؤثر على الوضع الداخلي،في مقدمتها العقوبات المفروضة على البلاد”.
ويصف الخنجر الحوار بأنه فعل سياسي ايجابي في حد ذاته، ويطالب في هذا الاتجاه بتشكيل حكومة رشيقة حتى لا تهدر موارد البلاد بسبب ترهل الظل الاداري.
تقرير:معاوية عبد الرازق
صحيفة آخر لحظة