العصيان من ( Zero ) .. الى ( Big Zero )
سخر مساعد رئيس الجمهورية إبراهيم محمود من الحملات التي يطلقها ناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي، ووصف هذه الحملات بأنها ( كلام في الهواء ) ، مؤكداً إن العصيان تحول من ( Zero ) الى ( Big Zero )، بداية لا بد من التحفظ على المعايير التي اتبعها السيد مساعد الرئيس لتقييم ووصف درجة العصيان، وحقيقة لا يوجد فرق بين (Zero ) و (Big Zero )، ولذلك فإن هذه المعايير تثير الارتباك عند تقييم قراءة الحكومة للدرجات التى تراجع اليها العصيان، ومما يؤسف له إن المسئولين يطلقون أحكاماً على مسائل في غاية التعقيد ولا يمكن وصفها إلا باعتماد معايير علمية مثل المراكز الاحصائية ومراكز قياس الرأي والتنبؤ، وهي عمل تقني يتبع نظريات علمية وليس رأياً سياسياً.
هذا الأمر ينطبق على الحالات التي يستكثر فيها المسؤل نسباً تتجاوز المقياس الصحيح، ظناً إن هذا يؤكد الحدث، وهو افتراض زائف و لا يحدث فرقاً، وهو حديث العوام و لا ينبغى أن يصدر من الحكام، كان يكفي القول إن الأمر فاشل بنسبة (100%) و هي تعطي دلالة واضحة على المراد من وصف حالة الموصوف، دونما حاجة الى مخالفة العلم ومعاييره المتفق عليها، وهي إن احتمال (probability) الحدوث مضافاً اليه احتمالات عدم الحدوث تساوي الواحد الصحيح، وهو بلغة النسب يعادل (%100)، وهو أساس المنطق الرياضي ولا يشذ عن هذا منطق السياسة والعلوم الاقتصادية والاجتماعية.
درج معظم المسئولين في بلادنا على استخدام النسبة المئوية كمؤشر لتحديد درجة الفعل، أحياناً كثيرة يضعون نسباً تتجاوز ( %100 ) وهو عمل ينسحب على تقديرات منشأها الواحد الصحيح باعتباره أصل المعايرة، وإمعاناً في الاشتطاط وفي ظل إرتفاع معدلات التضخم وتدني قيمة الجنيه يصبح الحديث عن النمو اعتماداً على تضخم الأرقام ملهاة، أما الأسوأ فهو القدرة العجيبة لدى المسئولين لإطلاق نسب مئوية خطيرة، مثل تصريح السيد أحمد مجذوب وهو وزير مالية سابق ورئيس اللجنة الاقتصادية في البرلمان حالياً، الرجل قال (إن أصول أحد البنوك تأكلت بنسبة ( %99 )، وإن منصرفات بعض البنوك وصلت الى (168%)، هذا الزعم يعني أن هذه البنوك صرفت كل إيراداتها بنسبة (%100) إضافة لنسبة (%68) من أموال المودعين، وهذا عملياً يعني أن هذه البنوك أفلست وانهارت، هذا التصريح لم يعترض عليه أي أحد تكذيباً أو توضيحاً، لا وزير المالية، و لا بنك السودان، و لا اتحاد المصارف، و لا البنك سيئ الحظ، الغريب إن مثل هذا التصريح في أي دولة أخرى كان يمكن أن يتسبب فى انهيار الجهاز المصرفي بكامله، مع العلم إن قرار الحكومة زيادة سعر الصرف من (6.8) جنيه الى (15.8) جنيه هو الذي تسبب في تدهور قيمة الأصول المتداولة لهذا البنك حيث انخفضت من مبلغ يعادل (100) مليون دولار الى ما يعادل (11) مليون دولار نتيجة لقرار لم تتجاوز صياغته بضع دقائق، لا شك إن المسئولين لديهم مشكلة مع المصطلحات (Terminology)، فالعصيان والاعتصام سيان، و هذه البنوك المشار اليها تفتح أبوابها يومياً، و تزاول أعمالها بنسبة (100%) ، هذه بنوك مدهشة، أما الأكثر إدهاشاً فهو تصريح رئيس اللجنة الاقتصادية في البرلمان .
ماوراء الخبر – محمد وداعة
صحيفة الجريدة