معاني الاستقلال.. أنبل من “قفة الملاح” وأوسع من أناشيد الكفاح
والبلاد تحتفل هذه الأيام بأعياد الاستقلال المجيد يعود الجدل مجدداً حول معاني الاستقلال الأصيلة، وهل تنزلت واقعاً معاشاً بيننا أم ظلت على مدى السنوات الستين الماضية محض أناشيد تلهب المشاعر الوطنية التي سرعان ما يخبو بريقها بانتهاء مراسم الاحتفالات، وتبقى قيمة الاستقلال الحقيقة تتأرجح بين الشك واليقين.
قيم الاستقلال أنبل من حصرها فقط في (قفة الملاح) وأكبر وأوسع من أناشيد للنضال والكفاح، بل هو عمل وبناء لوطن ينعم بالحرية والعدالة والرفاهية.
ثمة تفاصيل عند احتفالات السودانيين باستقلال السودان، الكثير منهم لديهم آراء مسبقة عن الاستقلال وجدواه، وتقلل من قيمته وتقدح في مصداقيته، لفت انتباهي أثناء اطلاعي على الصحف اليومية عمود الأستاذ فيصل محمد صالح الذي وجد العذر للبسطاء من الناس الذين يعجزون عن تمثل معاني الاستقلال في حياتهم، إذ أنهم يبحثون عنه مباشرة في حياتهم ومعايشهم (قفة الملاح) والعلاج التعليم، فلا يجدونه، فينعكس ذلك في تجاهلهم لمعاني وقيم الاستقلال وفقدان الإحساس بأهميته، بجانب أن النخب المثقفة والمتعلمة عجزت عن توصيل المعاني السامية للاستقلال.. وهؤلاء لا يمكن عذرهم ما انفكوا يُعايروننا بالاستقلال وكأنّه مسبة، أو على أقل تقدير يُقلِّلون من قيمته وأهميته، ويصل بهم الحال لإنكار جهد آبائنا وأجدادنا في صنعه ويقولون إنه من جاءنا على طبق من ذهب (عطية مزين) من المستعمر بعد أن مل بقاءه في بلادنا القاحلة والجافة.
وبالنسبة لعبد الله عبد الباقي، فإن الاستقلال قدر لابد من حدوثه، وإن كانت ملابسات حدوثه مرتبطة بارادة المستعمر قبل رغبة الشعب السوداني وقياداته كل الشعوب – في رأي عبد الله – تبحث عن الحرية وتتوق للاستقلال وهذه طبيعة الإنسان، ولكن في حديثه لـ (اليوم التالي) يقول عبد الله إن الاستقلال من المستعمر الأجنبي لا يمكن أن يقود إلى استعمار آخر من أبناء جلدتنا، وهذا الأمر يحز في النفس ويوقع فيها الغبن، فكما قال الشاعر: “وظلم ذوي القربى أشد مضاضة.. على المرء من وقع الحسام المهند”، فظلم القريب المرجو إحسانه يولد غبنا وأسفا وحسرة على حسن الظن، ويبعث في النفس خيبات آمال تعلقت به وطغيان الفرد من المجتمع على أبناء وطنه يثير ضغائنهم، وفشل السودانيين في الحكم لا يعني فشل الحاكم فقط، فالنظام الحاكم يخرج الشعب ويتشبع بثقافاته وطبيعته ويتبنى سلوكه وطبائعه، فيخرج الوالي على دين الرعية والرعية على دين الحاكم، فبعضهم من بعض.
ويقول فتح العليم عبد الله أستاذ التاريخ بجامعة أم درمان الأهلية لـ (اليوم التالي) إن للاستقلال قصة حدثت، وهي قيام الحرب بين دول المحور بقيادة (إيطاليا) ودول الحلفاء بقيادة (إنجلترا)، ولأن الحرب كانت في (طبرق) بالصحراء فالإنجليز لا يستطيعون الحرب في الصحراء تم الاتفاق مع السودانيين ومثلهم (سلاح الهجانة) حينها بشرط أنه حال كسب الحلفاء الحرب ينال السودانيون استقلالهم، وقد كان أن انتصر دول الحلفاء على دول المحور، وعلى ضوء ذلك بدأوا بتنفيذ العهد ودفع فاتورة الاستقلال 850 جندياً سودانياً.
شَعبنا يَستحق الاستقلال، وقد دفع ثمناً غالياً من أجله، وناضل في سبيل تحقيقه، ثم خذلته النخب الحاكمة، ولا تزال، وليس الحل في الحنين للماضي الاستعماري، ولا في التقليل من قيمة الاستقلال، بل في استكمال المسيرة لبناء الدولة الحديثة برؤية وأفكار جديدة، ولا بديل عن ذلك أبداً يُنظر إلى حكم الإنجليز للسودان على أنه (استعمار، نهب للثروات، إذلال) إلى آخر الصفات التي تُلصق بتلك الفترة التاريخية الممتدة من آخر القرن التاسع عشر حتى منتصف القرن العشرين.
الخرطوم – عرفة وداعة الله
صحيفة اليوم التالي
نال السودان استقلاله من الانجليزفوقع في استعمارالموتمرالوطني